آراء
جواد كاظم البيضاني: التأصيل والهوية المصطنعة
- كتب بواسطة: د. جواد كاظم البيضاني
أمعن تنظيم داعش الإرهابي بعد سيطرته على الموصل في تغيير معالم تراث هذه المدينة وتاريخها من خلال إزالة النصب، وسرقة المتاحف، وحرق المكتبات، فضلاً عن تجريف المدن التاريخية وتخريبها، والحقيقة أن تراث الموصل هو تراث عالمي لا يمكن ازالته بهذه الأدوات ذات التوجهات المعروفة والتي ترتبط بمسميات دولية كانت داعمة لها .
إن سياسة محو الهوية وتدمير التراث الإنساني التي بُنيت على قاعدة التهجير القسري، والإبادة الجماعية التي ارتكبت عبر فترات زمنية مختلفة كان اخرها إبادة عام 1915 التي راح ضحيتها مليون ونصف أرمني، فضلاً عن إزالة تراث شعوب الأناضول الأصيلة من ايزيدية ويونان وسريان وغيرها من شعوب هذه المنطقة، كانت هذه السياسة معروفة لدى الباحثين في حقل التاريخ، تبدأ بإزالة المعالم، وقلب الوقائع، وتغيير الملامح. ولحماية الإرث الحضاري للأمم شرعت المنظمات الدولية قوانين ونظم كان لها دوراً في كبَح جِماحَه بعض الدول المتطفلة على التاريخ، ولعل من اميز تلك القرارات ما صدر عن مجلس الأمن بالرقم 2347 في 2017 الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 7907 المعقودة في 24 اذار/ مارس 2017 ومن ابرز ما ورد في هذا التشريع الفقرة التي جاء فيها :" ان التدمير غير المشرع للتراث الثقافي، ونهب وتهريب الممتلكات الثقافية في حالات النزاع المسلح، ولا سيما من جانب الجماعات الإرهابية، ومحاولة حجب الجذور التاريخية ومنع التنوع الثقافي في هذا السياق يمكن ان تؤجج النزاع وتؤدي الى تفاقمه" ووصفت الفقرة الثانية من هذا القرار الجماعات التي تساهم في تدمير التراث بالجماعات الارهابية، وشمل هذا الوصف تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش، وما يرتبط بها من افراد وجماعات ومؤسسات وكيانات واكد مجلس الامن في هذا القرار عزمه على التصدي لجميع جوانب التهديد تلك.
إن محاولة تزييف حقائق التاريخ جرم يعاقب عليه هذا القرار، وليس خافياً على احد ما تقوم به أذربيجان في هذا الحقل من محاولات لمسح هوية ارتساخ (ناغورني قارباخ) وتجريدها من أصولها الأرمينية . وما يحدث في مدينة شوشي غير خافي على احد . فأذربيجان بعد احتلالها اجزاء واسعة من قاراباخ بمساعدة وتدخل مباشر من تركيا اخفوا (2000) نصب تذكاري ومعماري وتاريخي، ولم يعرف مصير (13) مجمع رهبانيّا و(52) حصن، و122 كنيسة تم بنائها بفترات تاريخية مختلفة. هذه الدولة تعتمد سياسات ممنهجه في تدمير وتزوير واستبدال التراث الثقافي الأرميني.
ووفقاً للتقديرات الحكومية في اتساخ فان أذربيجان استولت على (127) مكتبة مدرسية ضمت (68400) كتاباً، فضلاً عن متحفين حكوميين، واثنان من المتاحف الخاصة. ولم تتوقف خروقات أذربيجان عند هذا الحد فقد شرعت بتغيير معالم كاتدرائية (جازانشيتسوتس Ghazanchetsots Cathedral) التي حاولت تدميرها أثناء الحرب، من خلال تزييف حقائق التاريخ وتسميتها بالكنيسة الألبانية، ولا نعرف من اين جاءت هذه التسمية، فهذه التحفة المعمارية من البناء الأرميني المميز بطرزه وشواخصه المثبتة في لوائح التراث العالمي الخاص باليونسكو، ومعروفة لدى المؤرخين، فهل ينفع خلط الأوراق بتزييف الحقائق؟
ولم يتوقف التزييف عند هذا الحد بل ادعوا لأنفسهم ترميم مسجد مدينة شوشي، وهذا يخالف الواقع فالمسجد تم ترميمه من حكومة ناغورني قارباخ التي قدمت بيانات وأدلة لا تقبل الشك عن جهودها في ترميم المسجد، قبل سيطرة الحكومة الاذرية بمساعدة الترك على هذه المدينة .
لقد أدرك العالم جحيم التهديد الذي تعرض له تراث ارتساخ وبات من غير الممكن تجاهل ذلك خاصة بعد ان رفضت حكومة اذربيجان استقبال بعثة مراقبة لليونسكو كان عليها متابعة التراث الاتساخي المميز والحفاظ عليه وهذا دليل يؤكد ما ذهبنا اليه بان حكومة اذربيجان تقلب الحقائق لتزييف وقائع التاريخ وتشويهها.
د. جواد كاظم البيضاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق