الجمعة، 14 أبريل 2023

 

قتل شعب في ذاكرة الاحزان العالم يستذكر مرور 108 على ابادة الارمن

                          أ . د جواد كاظم  البيضاني

تحدثت حنه ارندت (Hannah Arendt) في كتابها أصول الشمولية  (The origins of totalitarian) عن تأثير الإبادة الجماعية على الشعوب الأصيلة في أمريكا وكندة وفي استراليا ، والطابع الوحثي الذي حمل أفكار عنصرية شوفينية وتطور سياسات الإبادة الجماعية لهتلر في أوربا.

وقد ترجم القتل الواسع النطاق للشعوب الأصلية في المستعمرات الفرنسية والبريطانية والايطالية


بشكل خاص إلى قتل جماعي خلال الحرب العالمية الثانية، ولاحظ عدد من المؤرخين ان هذا النمط من الاستهداف استمر منفذيه بتطبيقه خلال محاولات الجيش الألماني القضاء على شعوب( هيريرو، وناما) في جنوب غرب افريقيا (1904 -1907 ) ودور المستشارين الألمان في الابادة الجماعية للارمن (1915) وصرح هتلر لجنرالاته عشية هجومهم على بولندة والبولنديين  :" من يتحدث اليوم عن إبادة الأرمن على الرغم من كل ما حدث". واختار هتلر ايضاً في الخطاب نفسه أن يستشهد بالمثال الايجابي لجنكيزخان بوصفه مؤسس إمبراطورية عظيمة ، وكانت رسالة هتلر واضحة، فلا ينبغي لقيادات الحرب الألمانية ان تتحاشى قتل أعداد كبيرة من البولنديين وغيرهم من شعوب اوربا في الهجوم .

 

وفقاً لهذا المثل الذي اعتمد هتلر في أيدلوجيته اعتمد غيره ، وسلكوا نفس المسلك السياسي بإبادة الشعوب الأصلية ؛ وكان اخر المطاف ولعله لم يكن الأخير ما تعرض له الايزيدية على يد تنظيم داعش الإرهابي  .

والعثمانيون حلفاء الألمان انتهجوا نفس الأسلوب الذي سلكه الألمان مع الشعوب الإفريقية الأصيلة بإبادة شعب كامل وسيق بهم إلى الموت في إبادة هي الأعظم في تاريخ العالم الحديث ، وما انفك دكتاتور باكو باعتماد نفس السياسة بمناطق ارتساخ (ناغورني قارباخ) بل وحتى مع أرمينيا فسياسة القضم والاستيلاء على الأراضي لا تزال متبعة لحد الان في عمليات تهجير وإبادة قسرية وثقافية وبشرية بدعم من اطراف دولية معروفة.

 ان صمت العالم امام هذا الفعل المشين يحفز النظم الدكتاتورية على الحذو في تنفيذ هذه السياسات القسرية واعتماد الابادة بحق الشعوب المعارضة للنهج الاستعلائي الشوفيني واعتماد العنصرية التي ترفضها القوانين الدولية كممارسات بحق الشعوب المغلوبة والاقليات الخاضعة لمثل هذه النظم، فمبدأ الاتراك في ابادة الشعوب باقي ما دام الجُنات خارج طائلة العقاب.

  

 

 


الأربعاء، 15 فبراير 2023

انتصر اوجالان فكراً ومنهجاً

د. جواد كاظم البيضاني

  لا شك  أن خفايا وأسرار عملية اعتقال المفكر الكردي عبد الله اوجالان رسمت في منحى السياسة خفايا والغاز من الصعب هضمها وفهم اهدافها التي حيكت بشكل يعطينا اليقين المطلق بمكانة هذا المفكر الاممي ، وخطورته على القوى التي تحاول الهيمنة على العالم ، تفضح شعارات ما كان لها ان تزيف بهذا الشكل الفاضح.

ولعرض هذه المؤامرة لا بد من بيان الأسلوب المعتمد من أداة التنفيذ في اعتقال اوجالان:" قالت تركيا :" إن وحدات من الكومندوز تمكنت من اعتقال عبد الله أوجالان"، وقع ذلك الحدث في 15 شباط 1999.  لن تتحدث تركيا عن تفاصيل العملية ، فكثير من الأقلام والتقارير تطرقت إلى هذه الواقعة بشكل تقليدي دون الخوض  بتفاصيل العملية ، وكل ما كانت تقوله الشبكات الخبرية اعطاء التبرير لهذا الحدث، فضلاً عن التمجيد بقدرات الأتراك وقواتهم الخاصة.

 والحق أن هذا الاستهداف يحمل معان تقرا بالمفهوم التركي قراءة مختلفة عن ما يراه الباحث المنصف ، فالعملية كانت ذات بعد دولي ، وغطيت تفاصيلها بشكل كبير جداً، وأخفيت معالمها وطرائق تنفيذها، وعرضت لنا المحطات الخبرية المبررات التي تتوافق مع الاستراتيجيات المعلنة .

  أعتقد أنه مازال وراء عملية اعتقال أوجالان  مؤثرات هامة تحول دون نشرها الجهات الدولية التي اشتركت باعتقاله،  فما هي المبررات التي دفعت إسرائيل ومنظوماتها الاستخبارية للتفاعل بهذا الشكل وملاحقة اوجالان؟  وهل يشفع للعالم المتحضر تبريراته غير المنطقية لمثل هذه العملية؟  

  لقد أعطت التناقضات في التصريحات مؤشراً في الأسلوب المتّبع بهذه العملية ، فلم تنفرد تركيا بالاعتقال ، بل هناك قوى إقليمية ودولية هي التي استهدفته بشكل رئيس، نعم ... كان اوجالان حذراً جدا وتعاطا مع الاحداث بواقعية وحذر . فلم تفلح تركيا بكل ثقلها على استدراجه، وحتى الموساد  لم ولن يستطيع أن يفك أسلوب التخفي الدقيق الذي اعتمده ، إلا من خلال مكملات رئيسية لخططه مع مجموعة من المتعاونين لتنفيذ عمليتهم , وإذا كانت تركيا لم تنجح دون الاستعانة بقوى أخرى في العالم فما هي الدوافع وراء دعم هذه الدول لتركيا؟ هل كان أوجالان يشكل خطراً على الاستقرار الدولي مثلاً؟

 من غير ادنا شك فان فكر عبد الله أوجلان يهدف إلى إيجاد حلول منطقية للمشكلات التي تحيط بالمنطقة، ومعالجة الحيف الذي وقع على شعوبها بفعل الهيمنة الدكتاتورية التي عاشتها منطقتنا ، ويدعوا الى العيش المشترك وأخوة الشعوب، والقضاء على الاستبداد، والمركزية في الحكم من خلال اعتماد نظام فيدرالي غير اقصائي يعيش الجميع في كنفه بامن واستقرار.

 هذا التوجه يخالف في محتواه وأهدافه قوى الظلام، فوصف بالانفصالي ونعت بالإرهابي في نظر تلك الإمبراطوريات والديكتاتوريات الفاشية ومنها الدولة التركية، لان هذه الروية شكلت خطراً كبيراً على الدولة الاستبدادية التي تتخذ من القهر الاستعلائي والظلم المجتمعي وكبت الحريات أسلوباً لها. فهل يسمحو لمندلى جديد او هوشمين اخر؟

إن قضية عبد الله أوجالان تجاوزت الإطار الضيق لتتعداها إلى أفق أوسع، فهي ليس قضية حزب العمال ولا قضية الكرد في شمال كردستان (كردستان تركيا) بل هي قضية إنسانية لا يمكن التغاضي عنها، أو إدراجها في مجهولات الإعلام، فهذا المناضل والمفكر خط طريقه الشائك وفق رؤية تختلف عن الأنماط الكلاسيكية التي سار عليها المناضلون في الحقب الزمنية التي سبقته, حيث جمع بين الإنسانية والنضال، وبين القومية والأممية، وامتلك الإيثار والحرص.

أن هدف أوجلان الأسمى يتمثل بوقف الظلم  ومحاربته، ولأنه مؤمن أن المناضل لن يتخل عن إنسانيته، فهو مناضل لأنه إنسان، وهكذا وجد نفسه فحمل الإنسانية عمقاً, وناضل من أجل البسطاء، ليس لأبناء قومه بل لكل شعوب الشرق الأوسط، لأنه يعرف جيداً أن هذا الشرق هو نسيج اثني معقد، وهذا التعقيد يدفع المناضل للتفكير بالآخرين وصياغة القاعدة التي تجمع هذه الإثنيات، وأن يكون الجميع شركاء توحدهم مفاهيم الإنسانية وقيمها العليا، فالإيثار يجب أن يتوافق مع مدلولات الحرص على الهوية الوطنية.

إن الحقيقة التي يجهلها هؤلاء أن هناك ألف أوجالان تربوا على منهجه وهم يسيرون على خطاه، فإن سجنوه جسداً لم يستطيعوا تقييده فكراً فانتصر أوجالان . وحريٌ بالعالم المتحضر أن يعيد قراءته وأن يبعد هذا المناضل عن الحيف الذي وقع عليه.

 

 

 


الاثنين، 30 يناير 2023


 

اذربيجان وايران ... واقعية المواجهة

أ. د. جواد كاظم البيضاني

  في لقاء لرئيس جمهورية اذربيجان السيد الهام علييف مع وكالة انباء الاناضول التركية اظهر فيه امتعاضاً شديداً من المناورات التي اجرتها ايران قرب حدود بلاده ، معرباً عن استغرابه لمثل هذه المناورات ، مبدي تسائلاً عن توقيتات هذه المناورات التي لم تفعلها ايران منذ (30) سنة وفقاً لقوله.

الوكالات الخبرية تحدثت عن مناورات مماثلة اجرتها تركيا مع اذربيجان عند الحدود الايرانية، ويبدو ان اذربيجان ارادت اخطار ايران انها : لم تكن وحيدة امام اي تحدي  تتعرض له من ايران مستقبلاً .

المرشد الاعلى للثورة الاسلامية نوه الى ان اذربيجان تضمر الشر لايران وانها تحوك مؤامرات كبيرة ربما تعرض امنها للخطر:" فمن حفر حفرة لاخيه وقع فيها" وفقاً لتعبيره. الوكالات الخبرية تحدثت عن استعدادات اجرتها اسرائيل لضرب المفاعلات النووية الايرانية ، ومراكز ابحاث في طهران، وفي مدن ايرانية اخرى؛ واشارت التقارير الى اتفاق مبرم بين الولايات المتحدة واسرائيل يقضي بعدم السماح لايران بامتلاك السلاح النووي .

يبدو ان ايران استشعرت الخطر الداهم الذي يهددها . فاذربيجان لا تنكر تعاونها مع اسرائيل بل معظم محطات البث التلفازي، والصحافة الاذرية التي تسيطر عليها الدولة تحدثت عن هذا التعاون، حتى ان افتتاحيات الصحف الاذرية ابدت مديح لاسرائيل وموقفها من اذربيجان في حربها على شعب ارساخ. وبمقتضى هذا التعاون يكون لاسرائيل الحق في ادارة بعض المنظومات الهجومية والدفاعية في اذربيجان التي لا يفقه قادة جندها شيء من تقنية السلاح الاسرائيلي، وعليه ويكون بمقدور اسرائيل بموجب هذه الادارة الاطلاع على النظام الدفاعي الايراني وتحديد نقاط الضعف ، واعتماد الالية الدقيقة في الوصول الى الاهداف المراد تدميرها ضمن بنك المعلومات الذي حددته اسرائيل.  

                                     

تتحدث التقارير عن وصول طائرات مقاتلة الى اذربيجان ستستخدمها اسرائيل لضرب اهداف في ايران ، ولعل هذه التقارير المهمة هي التي دفعت المرشد الاعلى الى الحديث بصراحة عن ما تضمره اذربيجان لجارتها الجنوبية . في نفس الوقت تدرك القيادة الاسرائيلية  حجم التهديد ، فالطائرات الاسرائيلية خلال تنفيذ هجوم لها على ايران عليها ان تمر عبر اجواء الاردن او سوريا او السعودية وهي اجواء معادية، وتقطع مسافة كبيرة تحتاج خلالها الى التزود بالوقود، فضلاً عن احتمالية اكتشافها من قبل منظومات روسية ، وهي لا تريد ان تضع حلفاءها في المنطقة بموقف محرج، وعليه بات من المنطقي ان تعتمد طريق اذربيجان لتحقيق غايتها في الوصول الى اهدافها. فهناك تحالف استراتيجي وفقاً لما عبرت عنه الصحافة الاذرية فبات من الضروري وفقاً لهذا التحالف ان تقدم اذربيجان الدعم لاسرائيل كما فعلت اسرائيل بدعمها المطلق لأذربيجان في حربها على الشعب الأرميني في  ارتساخ.

وعليه فان ايران قدرت حجم التهديد وبدأت بالتحذير من تبعاته، فكل اذربيجان اهداف امام ايران ، وايران تدرك جيداً نقاط الضعف في نظام علييف ورخاوة هذا النظام الريعي اقتصادياً،  فضلاً عن الحالة المعنوية لجيشه الذي لا يقاتل عن عقيدة ، كما ان لايران الخبرة في مقاتلة المرتزقة السوريين الذين يعتمد عليهم النظام التركي والاذري في حروبه الخارجية عند ذاك تكون اذربيجان طعما يمكن ابتلاعه فيما اذا قدمت التسهيلاً لاسرائيل لانها تكون في مواجهة روسيا وايران معاً ، ويبدو ان تهديد روسيا الصريح وتحذيرها من تبعات الهجمات المجهولة بمسيرات على معامل الذخيرة في اصفهان يوضح الموقف الروسي ، ودعمه للنظام الايراني ، وهذا بطبيعة الحال يفسر دعم ايران لروسيا في حربها مع اوكرانيا وطبيعة التحالفات بين البلدين.

لقد حشدت ايران شعبها وحذرت من تبعات التحالفات بين اذربيجان واسرئيل، وعبر علييف دكتاتور باكو عن ذلك بعد حادثة مصرع موظف في سفارة اذربيجان بطهران بشكل يوحي بضبابية المشهد، وتداعيات الصراع . وعليه يمكن القول ان دعم طهران لارمينيا له حججه ، وعلينا نحن ان نضع الحجة في تعاملاتنا ونقيم علاقاتنا مع الاخرين. 

  فهل وَفَّت أذربيجان بالتزامها مع الصهاينة وقدمت لهم الدعم بضرب أهداف داخل العمق الإيراني ؟ ام هي ضربات نفذتها أوكرانيا على إيران وفق ما غرد به مستشار الرئيس الاوكراني؟

السبت، 14 يناير 2023

 

 

ابادة الأرمن في ناغورني قارباخ

أ.د جواد كاظم البيضاني

   
ضربت أذربيجان بعرض الحائط كلّ الاعتبارات الإنسانية، ولم تنصت للمناشدات الدولية، فأغلقت ممر لاتشين؛ في 12 كانون الاول/ ديسمبر، وهذا الممر هو الوحيد الذي يربط ناغورنو كاراباخ بأرمينيا، الأمر الذي أدى إلى عزل سكان الإقليم عن العالم، وقطع الإمدادات الحيوية والغذائية عن الإقليم، بعدها قامت أذربيجان في اليوم التالي بقطع إمدادات الغازعن (150 ) الف مواطن ارميني محاصرين في اقليم ارتساخ (ناغوني قارابخ) في ظروف جوية قاهره.

 وعلى الرغم من أنَّ الاتفاقية الثلاثية الموقعة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2020،  بين أرمينيا واذربيجان وروسيا تنصّ على أن "تضمن أذربيجان السفر الآمن على طول ممر لاتشين في كلا الاتجاهين للمدنيين ووسائل النقل والبضائع". بيد ان اذربيجان لم تبال بهذا الاتفاق وأعرضت عنه مستغلة الأوضاع الحرجة التي تعيشها اوربا والصراع الروسي الأوكراني الذي انعكس بشكل خطير على أوضاع الأرمن، وصمّت آذانها عن المناشدات العالمية التي دعتها إلى فكّ حصارها عن ارتساخ(ناغورني قارباخ)،

 فأذربيجان مستمرّ في محاولات متسارعة على احداث تغيير دّيموغرافيا في قارباخ وما التصريحات الأخيرة التي اطلقها قادتها الا دليل دامغ على ان هناك أهداف مبيتة للتنفيذ ابادة جديدة بحق الأرمن ، فما معنا ان يقول مسؤول اذري كبير ان بلاده تسمع بخروج الأرمن من ارتساخ(ناغورني قارباخ) ولا تسمع بعودتهم مرة أخرى؟

وما هو الهدف في  اعتماد سياسة التجويع وقطع شريان الحياة الوحيد في لاتشين؟ ولماذا تعتمد هذه السياسة ذات البعد الاستراتيجي المدروس في مثل هذا الوقت من العام حيث تصل درجة الحرارة الى 10 تحت الصفر وربما الى اكثر ذلك؟

   تحاول أذربيجان ان تحصل على مكاسب جديدة مستغلة التطورات الدولية والصراع في اروربا وتراهن على تنازلات لمصلحتها بفرض هذا الحصار الذي سوف يتسبب بكارثة إنسانية وغذائية وصحية في منطقة ذات ظروف مناخية معروفة حيث تغطي الثلوج مساحات واسعة من اراضي الاقليم مع نقص في الغذاء والدواء ووسائل العيش الاخرى، مما يدفع سكانها الأرمن إلى الهجرة نهائياً من هناك بسبب صعوبة العيش، وبذلك يبدأ التغيير الديموغرافي الذي ينشدوه.

اشارت اخر التقارير التي نقلتها وكالة "فرانس برس" الى حجم المعانات التي تعرض لها سكان  العاصمة ستيباناكيرت، فهناك شحّ في السلع في المتاجر والصيدليات، بسبب قطع أذربيجانيين لممرّ لاتشين الحيوي مع انقطاع التيار الكهربائي وشحة الوقود .

حدثتني احد الطبيبات من مستشفى الأطفال "أريفيك" في ستيباناكيرت، عن المعانات التي يشهدها هذا المستشفى وهي قلقة من حدوث كارثة انسانية ، خصوصاً أنه يرى أطفالاً يتجمّدون من البرد في أسرّة المستشفى.

ومن أجل مواجهة النقص، عمدت سلطات ناغورني كاراباخ إلى تقنين الطاقة، مما يترك مختلف الأحياء دون كهرباء طيلة ساعات اليوم ومنهم الحي الذي يقع فيه المستشفى. وحتى إذا كانت بعض المباني تعمل بمولّدات كهرباء، فهذه المولدات ينقصها الوقود. فالمستشفى يبرد بسرعة كبيرة مع انخفاض الحرارة إلى ما دون ثماني درجات تحت الصفر، وهناك عدد كبير من الأطفال لا يتجاوز عمرهم السنة في المستشفى .

هذه الظروف القاهرة التي فرضتها أذربيجان تدفع الناس الى مغادرة قارباخ وهذا ما اكد عليه علييف الذي اعلنها صراحة ان الأرمن الغير راغبين بالسكن في قارباخ تحت حكمه عليهم مغادرة هذا الاقليم ، فكيف اعطى علييف لنفسه الحق في فرض سياسة الامر الواقع في قضية معقدة لم يبت بها دولياً بعد؟ وما هو موقف روسيا من تحركاته المعلنة ؟ واين هي الادارات الغربية التي اشبعتنا حديثاً عن حقوق الانسان واحترامها وما إلى ذلك؟

 إن تجاهل الإبادة التي وقعت في عام 1915، وقبلها من اعمال غير إنسانية دفعت القيادات الدكتاتورية الى الجرأة على ارتكاب أشنع الاعمال الوحشية وهذا ما فعله الدواعش مع الايزيدية والشبك، وحيث ان قتلة الايزيدية لا يزالون يمرحون في اوربا بعد ان لجا الكثير منهم الى هناك، فما المانع الذي يعيق علييف ان يرتكب ابادة اخرى بحق الأرمن بعد ان فشل اسلافة من الترك العثمانيين من إبادة هذا العرق.

 

 

 

 

 

 

الاثنين، 28 يونيو 2021

 د.جواد كاظم البيضانيمقالات

تحقيق الاندماج السياسي وبناء الهوية الوطنية في العراق

د.جواد كاظم عبد البيضاني

د.جواد كاظم البيضاني

أصبحت الممارسات القمعية ضد الحقوق والحريات السياسية والتوجه نحو بناء نظام حكم أوتوقراطي ذات توجه فردي انعزالي مبني على أساس نظام الحزب الواحد سمة ميزت أنظمة الحكم في العراق. كما بات واضح ان فرض القوانين الاستثنائية وحالات الطوارئ المفروضة من قبل هذه الأنظمة بدعوة المحافظة على الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية قد أصبحت من الأمور الطبيعية، في ظل تصاعد حالات القمع العنيف ورفض الاستجابة لمطالب غالبية الشعب والذي يدعو الى المشاركة السياسية. وبما يتلاءم ووزن الجماعات الوطنية النسبي فسمة التميز واضحة ضد أبناء هذه الجماعات، ومنعها من المشاركة في الحياة السياسية، وحرمان أبنائها من الدخول في بعض مجالات العمل التي غالباً ما تكون حكرا لأبناء الجماعة المسيطرة. هذا الواقع السياسي عان منه العراق لفترة طويلة، دفعت البلاد الى اضطراب سياسي مستمر. فالقمع وعدم المساواة والسلطوية مع النمو السكاني وسط شحت في رزق المواطنين، شكل أرضية رئيسية في حدوث حالة من الصراعات السياسية والاجتماعية سيما اذا تقاطعت هذه الصراعات مع الفوارق الدينية والقومية. ولأجل حل مثل هذه الإشكاليات تلجأ أنظمة الحكم السابق الى استخدام أساليب قسرية واكراهية عن طريق استخدام القوات المسلحة للقضاء على الانتفاضة بقوة السلاح رغم طرحها الشكلي بمبادئ رنانة مثل الفدرالية والحكم الذاتي.

فأين الهوية التي نبحث عنها في مثل هذه الأجواء المشحونة بالكراهية والتعالي والنظر الى أبناء الجماعات الوطنية نظرة ( دونية )؟؟؟. الله الوطن القائد وعليه يكون مجتمعنا العراقي بالذات هي مشكلة الهوية في نسيج معقد ولكن زاهي الألوان؟ فما هو مفهومهما ؟ وكيف يمكن بنائها؟

يحاول الباحث الإجابة في عجالة على هذه التساؤلات. فالبحث هو مدخل مهم لتفعيل وبناء الهوية الوطنية والحقيقية لا يمكن أن تتحقق هوية موحدة دون توفير الفاعلة والمتمثلة بتحقيق الاندماج وهو العنصر المهم جداً في بناء الهوية الوطنية.

فمعظم الجماعات الوطنية تعتقد ان الهوية الوطنية تعني التخلي عن هويتها الفرعية بما في ذلك من ثقافة ولغة وأدب وحضارة، وهو ما يدفعها لمقاومة التداخل والاندماج خشية انصهارها كأقلية في بوتقة الأغلبية ذات الموروث الثقافي الهائل. والحقيقة ان التجزئة لا تصب في مصلحة الكيانات الصغيرة، فما يشهده العلم من تكتلات اقتصادية وسياسية يعني استحالة بقاء الكيانات الصغيرة وهو ما يتطلب تجميع الموارد والطاقات لاستثمارها عراقيا مع تجاوز النظرة والحلول الضيقة.

وعليه، فان مثل هذا الموضوع يكتسب أهمية كبيرة ليس في العراق ولكن على مستوى العالم فمخاوف التقسيم تبقى قائمة ما بقيت أزمة الثقة بين الاطراف العراقية. فمتى ما تجاوزنا أزمة الثقة يمكننا الكلام عن الهوية، وقبل ذلك تحقيق الاندماج الرضائي بين أطياف الشعب.

البحث لا يتجاوز أوراق قليلة سدد بها الأستاذ فاضل علي الياسري للباحث جوانب قد غفل عنها. فالإثارة أسلوب ربما فيه من الإطالة ما يبعد البحث عن مضمونه وعليه خرج البحث هذا الاختصار.

تحقيق الاندماج السياسي بناء الهوية الوطنية

من الواضح إن العراق يتكون من جماعات وطنية تتباين لغاتها وقومياتها العراقية وانتماءتها الطائفية، وهذه الجماعات لا ترتبط بجماعة وطنية واحدة. هذه الحقيقة تجعل الوضع الاثني في العراق أكثر تعقداً، وينعكس سلباً على صعيد اعطاء هوية وطنية واحدة تعلو فوق كل الولاءات والانتماءات الضيقة لهذه الجماعات المتباينة.

ان المشكلة التي يعاني منها العراق تتمثل في كيفية تحقيق الانسجام بين الجماعات الوطنية التي تتكون منها النسيج العراقي، لا سيما إن هذه الجماعات تختلف ثقافيا وطائفيا وقوميا ودينيا، وان بعض منها تعيش تحت وطأة التبعية وربما التخلف: الأمر الذي يجعل من عملية تحقيق الوحدة الوطنية عملية في غاية الصعوبة. والذي زاد في تعقيد العملية السياسية في العراق. إن الجماعات المسيطرة حاولت فرض ثقافاتها من خلال اللجوء إلى الأساليب القسرية وتهميش الجماعات الوطنية التي تختلف عنها دينيا وقوميا بفرض لغتها مع اعتماد منهجها كمذهب أول في البلاد. لقد لجأت الجماعات المسيطرة إلى تبني أساليب عديدة لتذويب ثقافات الجماعات الوطنية والقضاء على ولائاتها ومحو هويتها الثقافية لصالح هوية الجماعة المسيطرة. وبالتالي تبني هوية تعد شاملة تحمل ثقافات الجماعة المسيطرة مع الحرص على تذويب الهوية الفرعية للجماعات الوطنية وبأساليب شتى. ومن الأساليب المستخدمة في هذا السياق هو اعتماد الجانب اللغوي والديني. حيث سعت المؤسسة الحاكمة إلى منع الاحتفالات الدينية لبعض الجماعات الوطنية واعتبارها أعياد ليست بعربية، وان هذه الاحتفالات التي تمارسها هذه الجماعات هي مناسبات وأعياد دخيلة يجب القضاء عليها. وبذلك تضمن هذه الجماعات هيمنتها الثقافية الأمر الذي يتيح لها اعتماد هوية موحدة تمثل بهوية الجماعة المسيطرة.

بيد ان عنصر الرفض بدى واضح لدى أبناء هذه الجماعات التي أخذت يلتمسك بلغاتها وعقائدها الدينية، وهو ما افرز ردود فعل قوية لمثل هذا التحدي وساهم في شكل واضح لعدم الاندماج وخلق حالة من التوتر بين أبناء الوطن الواحد وللتغلب على مثل هذه الأزمة وبناء هوية وطنية. ترى بعض الأحزاب الوطنية ان الحل لمثل هذه الأزمة يتم من خلال بناء دولة إسلامية تعتمد التشريع الإسلامي في الحكم. فالعراق دولة إسلامية يمثل المسلمون فيها أكثر من 90% من إجمال السكان. وبناء دولة دينية ذات هوية إسلامية هو الحل الأمثل الذي يحقق للعراق وحدة وطنية. إلى إن الحقيقة تتناقض مع هذا الرأي، فالعراق منقسم إلى أطياف مذهبية قد تتفق في بعض الثوابت ولكنها تختلف والجزئيات التشريعية الأمر الذي يعقد بناء المؤسسة الدستورية إذا ما اعتمدت تشريع مذهبي معين على حساب الأخر. وحتى المذهب الواحد نجد ان هناك اختلافات كبيرة بين معتقديه. فالإسلام السني منقسم بين قوميتان العرب والأكراد وربما التركمان، فالإسلام في كردستان له خصوصية يمثلها التصوف وهذا بطبيعة الحال اثر في حياة المجتمع وساعد على خلق هوية متميزة بشكل يطغي على الفوارق الاجتماعية والمصالح الاقتصادية. وعلى الرغم من ان البعض يرى ان انجذاب الكرد نحو التصوف يرجع الى أسباب تتعلق ومعتقداتهم الدينية قبل الإسلام، إلا ان التصوف بالنسبة للكرد كان رد فعل ضد الإسلام بمفهومه المؤسساتي ذي الإبعاد الأساسية. من ذلك يمكن القول ان بناء دولة دينية في العراق يعرض الى حالة من التمزق وعدم الاستقرار، والتي تجر البلاد في المحصلة إلى حرب أهلية يكون الخاسر الوحيد فيها الشعب العراقي بمختلف مكوناته.

وإذا كانت الأساليب القسرية لا تحقق نتائج ايجابية، كذلك لا يمكن للدين أن يعطي هوية موحدة للعراق.  فكيف لنا ان نبرز هذه الهوية؟

ان بناء دولة عصرية يتطلب كخطوة أولى تجاوز أطر الجماعات الاثنية والمحلية لصالح بناء مؤسسات وأطر وطنية شاملة، أي إقامة جهاز سياسي واداري على مستوى الوحدة السياسية للدولة ككل، وهذا لا يعني في كل الأحوال القضاء على خصوصية الجماعات الاثنية الفرعية ضمن اطار الجماعة الوطنية الشاملة التي تضم عموم الجماعات الوطنية (أغلبية-أقلية). يجب ان يتوصل الناس في الدولة الجديدة إلى إقرار، كون إقليمهم الوطني هو وطنهم الحقيقي. كما يجب ان يشعروا كأفراد بهويتهم الشخصية محددة جزئيا بانتمائهم إلى بلادهم المحددة أقليمياً.

وهذا لا يتحقق دون اعتماد الأساليب الرضائية في حل المشكلات المستعصية والى تحقيق الحرية والمساواة وإعطاء الشعب دوره في المشاركة السياسية وبناء دولة دستورية شرعية تمثل كل مكونات الشعب، وأن توزع الثروات دون إهمال أو تناسي. وعلى المؤسسة السياسية أيضا أن تعالج الفقر وان تشيع المساواة وتحد من القهر السلطوي، فالدولة عندما تتمكن من معالجة مثل هذه الظواهر تصبح ممثلة بالقوة الاجتماعية. وبذلك يمكن التغلب على نوع من الصراع الاثني الذي يحدث بين أبناء الجماعة الوطنية إذ حدث العكس.

وإذا سعت الدولة حقاً في تحقيق الاندماج فلا بد لها من زيادة الاتصال بين القيادات التي تمثل الجماعة الوطنية، كذلك إنشاء شبكة من المواصلات يساهم في خلق حالة من التواصل والاندماج، وان يعالج التفاوت الطبقي. فالجانب الاقتصادي لهو دور حيوي في خلق حالة من الاندماج وتحقيق الولاء للدولة. وإذا سعت الدولة الى تحقيق ذلك بجد وموضوعية، يمكن لنا أن نتحدث عن الهوية الوطنية. صحيح إن التعايش في العراق بين أبناء الجماعات الوطنية يمثل واقع تاريخي لا يمكن تجاهله، وان كل خروج عن هذا التعايش هو افتراء على هذا التاريخ، وهذه

حقيقة. لقد عاش الشعب العراقي معاناة مشتركة من قبل أنظمة ودفع ثمنها باهض لتحقيق التحرر والانعتاق، وقد دفع هذا جميع مكونات الشعب لتضافر جهودهم لتحقيق ذلك نظرا للروابط التي تجمع بين أبناء الوطن الواحد من مصالح وحياة مشتركة، وهذه بطبيعة الحال يرفع الجميع لمواجهة التحديات. فكانت وحدة التصدي التي تمثلت فيها الاخوة عبر التاريخ ووحدة المصير بنضال مشترك، فكانت وحدة متكاملة لشعب واحد ووطن واحد. وهذا يوضح بطبيعة الحال مدى قوة العلاقة بين أبناء الشعب. إلى إن الحقيقة تظهر بما لا يدع مجال للشك بأن هناك عدم اندماج حقيقي بين مكونات هذا الشعب، فكثير من المناطق في العراق يغلب على سكانها الهوية الفرعية الشاملة، وهذه حقيقة نجدها في جنوب وغرب وشمال العراق وربما في بعض مناطق العاصمة بغداد. إزاء ذلك كيف لنا أن نحقق هذا الاندماج في ظروف دولة مثل العراق يتنوع فيها الطيف القومي والعراقي؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لابد من إعطاء تعريفا مبسطا لمعنى الاندماج والذي يعني إشعار أبناء الجماعات الوطنية بأنهم جزء لا يتجزء من نسيج الوطن الذي يضم أبناء العراق بمختلف أطيافهم، وان لهم ما لباقي العراقيين وعليهم ما على العراقيين وإنهم جزء حيوي وفعال في بناء الوطن.

أما عوامل تحقيق الاندماج فهي :

-أن يكون ولاء وارتباط الجماعات الوطنية بالحكومة المنتخبة والتي تمثل معظم الشرائح والاثنيات التي يتكون منها العراق، وهذا لا يتحقق من خلال إشعار أبناء العراق بان الحكومة تعمل لخدمته من خلال الوسائل الإعلامية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.

1 – ففي الجانب الإعلامي ربط الوسائل الإعلامية الفعالة بالدولة من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي لها.

2 – في الجانب الاقتصادي معالجة الفقر، والذي يعد المحرك للاعمال العدوانية والجريمة.

3 – في الجانب السياسي فسح المجال لأبناء الجماعات الوطنية في صنع القرار.

4 – أما الجانب العسكري، فعلى المؤسسة العسكرية أن تشعر العراقيين إن الأجهزة هي الأداة التي يحتمون بها  وهي لا تمثل فئة دون سواها إنما هي عراقية.

-أن يتكفل الإفراد من هذه الجماعات بالالتزام بقوانين الدولة على أن يتصرف أبناء الجماعات المسيطرة بالدوافع الوطنية ووحدة البلاد وأمنه وان يتحسس الجميع بان الرفاه المادي والثقافي والاجتماعي تحققه الدولة التي تمثل أبناء الشعب بمختلف طوائفه.

-على الدولة أن تأخذ بالاعتبار إمكانية بناء قوة دفاعية تمثل مختلف الطيف العراقي تساهم في الحد من التدخلات الخارجية وتحمي حدود الوطن.

ولتحقيق الاندماج لا بد من تصحيح المسارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويتم ذلك

وفق ما يلي :

1 – في الجانب السياسي لابد من حصول أبناء الجماعات الوطنية على نصيب عادل من السلطة يتناسب مع وزنه السكاني.

2 – في الجانب الاقتصادي والاجتماعي فمن الضروري جدا إن توزع الثروات بصورة متوازنة، كذلك الحال بالنسبة للخدمات الاجتماعية.

3 – أما في الجانب الثقافي، فعلى السلطة أن تأخذ بالحسبان الخصوصية الثقافية لأبناء الجماعات الوطنية.

إن السياسات الخاطئة والمتمثلة في انتهاك حقوق الإنسان وتغيب المشاركة الديمقراطية ورفض المعارضة والاحتكار المطلق للسلطة وما يترافق مع تسلط وفردية في اتخاذ القرارات وفرضها دون استشارة. كل تلك السياسات ساهمت في خلق حالة من عدم التمازج والاندماج بين أبناء الشعب، بل وزادت من الفجوة والتباعد، ويبدو إن السلطة قد اعتمدت هذه الأساليب في تعاملاتها لأسباب عدة منها ما هو مرتبط بطبيعة الجماعات أو قياداتها أو النهج والسياسة الخاطئة التي اعتمدتها الدولة في معالجة الأزمات، وان هناك ظروف سياسية أو دويلية دفعت المؤسسة السياسية لاعتماد مثل هذا المنهج في التعامل. أما ابرز الأسباب التي دفعته الجماعة المسيطرة إلى تعاملها مع أبناء الجماعات الوطنية فتمثل بما يلي:

1 – كثرت الحروب التي مرت بها البلاد والتي رافقت بناء الدولة العراقية، الأمر الذي جعل بناء الدولة العراقية وفق أسس عسكرية.

2 – دور القوة الإقليمية والدولية في التدخل في شؤون العراق، خلق حالة من عدم الاستقرار تتيح لهذه القوة تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية على حساب مصلحة الشعب العراقي بمختلف اطيافه.

3 – تسعى بعض قيادات الجماعات الوطنية إلى خلق حالة من عدم الاستقرار، لخلخلة الوضع الداخلي في البلاد ليتسنى لها الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية. وفي ذات الوقت تكسب عطف جماعات حقوق الإنسان والمنظمات الخيرية لتحقيق أرباح مالية ومن ثم بناء نفوذ سياسي لها في البلاد.

إن الأساليب الخاطئة المعتمدة من قبل الحكومة في معالجة الأزمات ليس لها ما يبررها وهي في المحصلة عمقت الهوة بين المؤسسة السياسية والجماعات الوطنية، والذي زاد الطين بلة إن سياسة الدمج خلق حالة من عدم الرضى لدى أبناء هذه الجماعات بسبب تنفيذ طبيعتها وبأساليب قسرية بحتة ومن هذه الأساليب:

1- قد تلجأ الجماعات المسيطرة إلى استخدام سياسة الاستيعاب الإكراهي في عملية الدمج، ويتم ذلك باستخدام القوات المسلحة للقضاء على حركات التمرد التي تحدثها بعض الجماعات أو اغتيال القيادات والشخصيات المعارضة من أبناء الجماعات الوطنية.

2 – سياسة التهجير التي تلجأ إليها الجماعات المسيطرة ضد أبناء هذه الجماعات وتوطينهم في مناطق أخرى منع التركيز السكاني وبشكل الذي ينظمن وضعهم تحت مراقبة أجهزة الدولة.

3 – قامت بعض الحكومات المتوالية على حكم العراق باعتماد سياسة تقوم على خلق حالة من الصراع والتنافر بين أبناء الجماعة الوطنية لاضعاف قدراتها في مواجهة النظام كما حصل في مناطق جنوب العراق أو الفرات الوسط أو شمال العراق.

4 – دعم بعض الأحزاب والشخصيات المؤيدة وتوجيهات النظام وخصها من امتيازات ومنافع والظهور لها كممثل شرعي وقيادة تلك الجماعات الوطنية رغم عدم تمتعها بقاعدة جماعية تكسبها شرعية لقيادة تلك الجماعات كذلك ضرب العناصر المناوئة لسياسات النظام .

وعليه يتطلب الأمر معالجة هذه الأخطاء من خلال إيجاد إليه تساهم في ترسيخ الاندماج وتكريس الوحدة الوطنية في مختلف المجالات ومنها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لبناء هوية وطنية عراقية. ويتم ذلك وفق ضوابط أهمها:

1 – وجود قنوات للاتصال بين الجماهير والنظام السياسي تؤمن استيعاب مطالب الجماعات الوطنية وتتمثل هذه القنوات بالأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية وغيرها، على ان تمارس السلطة ضغوطات تجعل من هذه المنظمات تابع لها كما هو الحال في العهود السابقة.

2 – تعزيز الثقة بين الجماعات الوطنية والمؤسسة السياسية، ويتم ذلك من خلال إطفاء حالة التعصب بين الجانبين واللجوء إلى الأساليب المبنية على أسس التحاور وإيجاد مخرج للجوانب العالقة والإبقاء بالوعد والالتزامات وعدم الاحتكام إلى لغة العنف والسلاح.

3 – يجب توفر آراء سياسية سديدة للأحزاب السياسية وعلى هذه التنظيمات أن تتبنى أيديولوجيات تخدم المصلحة الوطنية وان تلجأ إلى لغة الفعل دون العاطفة التي تخلق حالة من الاضطراب السياسي.

4 – معالجة ألازمات الاقتصادية والسياسية وما يرافقها من بطالة وتدني فرص عمل تساهم في خلق جو من الانعزالية والتميز بين أبناء الجماعات الوطنية الأمر الذي يعيق عملية الاندماج، فمعالجة ذلك تساهم في بناء وحدة وطنية متماسكة.

5 – رفع مستوى التعليم في كل أنحاء العراق لان انخفاض المستوى التعليمي يساهم في تنامي النزعة الانفصالية.

6 – على الحكومة احترام خصوصية بعض الجماعات الوطنية من أعياد و مناسبات دينية، ذلك يقلل من الفجوة بين أبناء الدولة الواحدة.

7 – تحقيق الوسائل الممكنة في زيادة الاندماج من خلال زيادة شبكة المواصلات أو الأجهزة الإعلانية أو من خلال المصلحين من أبناء هذه الجماعات.

يرى عالم الاجتماع الأمريكي ماكيفر إن خلق حالة من التجانس يمكن أن يتم من خلال توفر الرعاية التي تضمنها الدولة والتي يشعر المواطن خلالها بانه جزء منها فيكون عنصر الربط والترابط معها وبالتالي بين أبناء الجماعات الوطنية على أن تنظم وتخطط المدن وفق أسس اصرحة وطنية للتخفيف من الضغط السكاني .

وينبغي القول ان الجماعات الوطنية تحتفظ بخصائص ذاتية وكل ما يتعلق بكيانها وما يميز شخصيتها وتراثها بما يتضمن استمرار وجودها وتطورها التاريخي، وهذه الجماعات مرتبطة بعاداتها وتقاليدها الخاصة بعد تهذيبها من كل ضيق أو تعصب يعوق الحياة المشتركة نتيجة الوعي النامي فيها، بكونها جزء من شعب كبير واحد يرتبط بأرض معينة هي وطنها.

 

 آراء

جواد كاظم البيضاني: التأصيل والهوية المصطنعة

جواد كاظم البيضانيأمعن تنظيم داعش الإرهابي بعد سيطرته على الموصل في تغيير معالم تراث هذه المدينة وتاريخها من خلال إزالة النصب، وسرقة المتاحف، وحرق المكتبات، فضلاً عن تجريف المدن التاريخية وتخريبها، والحقيقة أن تراث الموصل هو تراث عالمي لا يمكن ازالته بهذه الأدوات ذات التوجهات المعروفة والتي ترتبط بمسميات دولية كانت داعمة لها .

إن سياسة محو الهوية وتدمير التراث الإنساني التي بُنيت على قاعدة التهجير القسري، والإبادة الجماعية  التي ارتكبت عبر فترات زمنية مختلفة كان اخرها إبادة عام 1915 التي راح ضحيتها مليون ونصف أرمني، فضلاً عن إزالة تراث شعوب الأناضول الأصيلة من ايزيدية ويونان وسريان وغيرها من شعوب هذه المنطقة، كانت هذه السياسة معروفة لدى الباحثين في حقل التاريخ، تبدأ بإزالة المعالم، وقلب الوقائع، وتغيير الملامح. ولحماية الإرث الحضاري للأمم شرعت المنظمات الدولية قوانين ونظم كان لها دوراً في كبَح جِماحَه بعض الدول المتطفلة على التاريخ، ولعل من اميز تلك القرارات ما صدر عن مجلس الأمن بالرقم 2347 في 2017 الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 7907 المعقودة في 24 اذار/ مارس 2017 ومن ابرز ما ورد في هذا التشريع الفقرة التي جاء فيها :" ان التدمير غير المشرع للتراث الثقافي، ونهب وتهريب الممتلكات الثقافية في حالات النزاع المسلح، ولا سيما من جانب الجماعات الإرهابية، ومحاولة حجب الجذور التاريخية ومنع التنوع الثقافي في هذا السياق يمكن ان تؤجج النزاع وتؤدي الى تفاقمه" ووصفت الفقرة الثانية من هذا القرار الجماعات التي تساهم في تدمير التراث بالجماعات الارهابية، وشمل هذا الوصف تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش، وما يرتبط بها من افراد وجماعات ومؤسسات وكيانات واكد مجلس الامن في هذا القرار عزمه على التصدي لجميع جوانب التهديد تلك.

إن محاولة تزييف حقائق التاريخ جرم يعاقب عليه هذا القرار، وليس خافياً على احد ما تقوم به أذربيجان في هذا الحقل من محاولات لمسح هوية ارتساخ (ناغورني قارباخ) وتجريدها من أصولها الأرمينية . وما يحدث في مدينة شوشي غير خافي على احد . فأذربيجان بعد احتلالها اجزاء واسعة من قاراباخ بمساعدة وتدخل مباشر من تركيا اخفوا (2000) نصب تذكاري ومعماري وتاريخي، ولم يعرف مصير (13) مجمع رهبانيّا و(52) حصن، و122 كنيسة تم بنائها بفترات تاريخية مختلفة. هذه الدولة تعتمد سياسات ممنهجه في تدمير وتزوير واستبدال التراث الثقافي الأرميني.

ووفقاً للتقديرات الحكومية في اتساخ فان أذربيجان استولت على (127) مكتبة مدرسية ضمت (68400) كتاباً، فضلاً عن متحفين حكوميين، واثنان من المتاحف الخاصة. ولم تتوقف خروقات أذربيجان عند هذا الحد فقد شرعت بتغيير معالم كاتدرائية (جازانشيتسوتس  Ghazanchetsots Cathedral) التي حاولت تدميرها أثناء الحرب، من خلال تزييف حقائق التاريخ وتسميتها بالكنيسة الألبانية، ولا نعرف من اين جاءت هذه التسمية، فهذه التحفة المعمارية من البناء الأرميني المميز بطرزه وشواخصه المثبتة في لوائح التراث العالمي الخاص باليونسكو، ومعروفة لدى المؤرخين، فهل ينفع خلط الأوراق بتزييف الحقائق؟

ولم يتوقف التزييف عند هذا الحد بل ادعوا لأنفسهم ترميم مسجد مدينة شوشي، وهذا يخالف الواقع فالمسجد تم ترميمه من حكومة ناغورني قارباخ التي قدمت بيانات وأدلة لا تقبل الشك عن جهودها في ترميم المسجد، قبل سيطرة الحكومة الاذرية بمساعدة الترك على هذه المدينة .

لقد أدرك العالم جحيم التهديد الذي تعرض له تراث ارتساخ وبات من غير الممكن تجاهل ذلك خاصة بعد ان رفضت حكومة اذربيجان استقبال بعثة مراقبة لليونسكو كان عليها متابعة التراث الاتساخي المميز والحفاظ عليه وهذا دليل يؤكد ما ذهبنا اليه بان حكومة اذربيجان تقلب الحقائق لتزييف وقائع التاريخ وتشويهها.

 

د. جواد كاظم البيضاني

الخميس، 23 يوليو 2020


الصراع الأذري الأرميني... والانزلاق نحو الهاوية
                                                                 د. جواد كاظم البيضاني
    ربما تكون الاشتباكات بين أذربيجان وأرمينيا ليست أمراً جديداً. فالأعمال العدائية بين الجانبين بدأت حتى قبل أن تنشأ الحدود الدولية بينهما. ويبدو ان الذي يميز هذه الفترة من الصراع هي عدم احتدامه، وتحوله إلى اشتباك مباشر، والاكتفاء بقصف متبادل ، خارج مناطق الصراع التقليدي، ولرسم صورة عن هذه الأحداث لا بد من بيان أسبابها.
     كما هو معلوم فان منطقة جنوب القوقاز تقع في محيط جغرافي عالي التنافسية، إذ يضم روسيا وإيران وتركيا، مع تواجد إسرائيلي أمريكي واضح ومعلن. وتدرك دول جنوب القوقاز ما تتمتع به من مزايا يوفرها موقعها الجيوسياسي على مفترق طرق التجارة والطاقة الرئيسية بين الشرق والغرب،  فضلاً عن كونها ممراً شديد الأهمية لمجموع المنطقة التي تقع فيها. وفي محيط كهذا فإن القدرة على بناء سياسة خارجية فعالة ومتوازنة، مسألة تتجاوز فن بناء العلاقات الدولية، وتصبح فناً للبقاء.
    وتبحث أذربيجان عن تفوق عسكري، وترى ان تطوير علاقتها مع إسرائيل يمكنها من حماية أمنها الداخلي، ويساهم في دفاعها عن نفسها، واستعادة الأراضي التي تنازع أرمينيا عليها،  فقد نشرت مجلة (فورين بوليسي) الأميركية المتخصصة بالشؤون الخارجية تقريرا أشارت فيه إلى أن إسرائيل وجدت موطأ قدم في القواعد الجوية الاذرية.
   يقول كاتب التقرير إن نائب رئيس البعثة الدبلوماسية الأميركية في باكو( دونالد لو) بعث في عام 2009 برقية إلى وزارة الخارجية بعنوان (التكافل الأذري الإسرائيلي المكتوم) كشف ويكيليكس مضمونها لاحقا. وينقل (لو) في برقية عن الرئيس الأذري إلهام علييف وصفه لطبيعة علاقة بلاده بإسرائيل بأنها مثل جبل جليدي يغوص (تسعة أعشاره تحت سطح الماء)، ويبدو أن هذه العلاقات قد تعززت بشكل كبير، فقد تم توقيع صفقة بقيمة (106) مليار دولار تبيع تل أبيب بموجبها إلى باكو طائرات بدون طيار وأنظمة دفاع، ويبدو ان هناك تعاون استراتيجي بين باكو وتل ابيب بدأ واضحاً من خلال الحرب الأخيرة التي خاضتها أذربيجان مع أرمينيا في 12 يوليو تموز 2020م، فـ (تل أبيب) تستهدف النقاط القريبة من إيران، وأذربيجان تسعى لعودة خارطة النزاع إلى سابق عهدها مع أرمينيا، فهل ينجح الاذر في تحقيق ذلك؟ وماذا عن إيران؟
   لا أتحدث عن الصراع الإيراني الإسرائيلي.  واكتفي بتصوير الصراع الاذري الارمني الأخير الذي بدأ يوم الأحد المواق 12/ 7/ 2012م، حيث بلغ عدد القتلى (16) من كلا الطرفين، وهذا العدد مرشح للزيادة، ولعل هذه الاشتباكات الأعنف منذ سنوات، فقد استخدمت فيها الأسلحة التقليدية من مدفعية، وصواريخ، ومدافع هاون، وطائرات.
  كانت نقطة الصراع هذه المرة بعيداً عن (ناغورني قره باخ). المصادر الأمنية تحدثت عن خرق حدودي ومحاولات الاستيلاء على أراضي أرمينية. وأذربيجان تقول ان الأرمن اعترضوا دورية اذرية في اراضيهم بمنطقة (تافوش) وامطروها بوابل من القذائف وتسبب ذلك بقتل من فيها، أرمينيا كذبت الخبر وبينت ان الاذر كانوا يعدون العدة لمهاجمة هذه المنطقة والسيطرة عليها.
 ومع احتدام الصراع بدأت الاطراف الدولية تدعوا الى ضبط النفس، والتهدئة، ودعت وزارة الخارجية الروسية والفرنسية والامريكية الى انهاء الاعمال العسكرية ، والركون الى السلم والتفاوض لانهاء المشاكل العالقة بين البلدين، غير ان هناك اطراف دولية كانت تدعوا الى غير ذلك، فتركيا ووفقاً لبيان اصدرته وزارة الخارجية التركية دعت الى  مساندة اذربيجان والوقوف معها، ووضع كل المتطلبات اللوجستية تحت تصرفها . فهل انطلقت تركيا من موقف ديني قومي  كما وصف ذلك البعض، ام أن هناك خفايا وأسرار تدفع تركيا لاتخاذ مثل هذه القرارات؟
  كثير من المحللين يرون ان تركيا بحكم انتمائها القومية تجد نفسها مرغمة على الدفاع عن ابناء جلدتها من الاذر ، ووقوفها مع اذربيجان يعني وقوفها مع امتدادها العرقي والديني ، وعبر عن ذلك وزير الدفاع التركي ، الذي قال إن معركة اذربيجان هي معركتنا ، ولا يختلف  وزير الخارجية عن باقي المسئولين الأتراك فهو الاخر أبدى استعداد تركيا لدعم اذربيجان عسكريا وسياسياً ومعنوياً. فهل تقف تركيا مع أشقائها الاذر كما جاء في بيان الرئاسة التركية ؟ وما هو مستوى الدعم الذي تستطيع تركيا تقديمه الى اذربيجان؟

    لا شك ان تركيا قدمت دعماً كبيراً إلى اذربيجان من خلال إشرافها وتدريبها للقوات المسلحة الاذرية، فضلاً عن تزويد اذربيجان بالأسلحة والمعدات الفنية ، فالمنفعة الاقتصادية باتت واضحة بين الطرفين ، وقد تحدث عن ذلك الرئيس التركي اوردغان الذي صرح  بان بلاده تسعى الى رفع التبادل التجاري مع أذربيجان الى (15) مليون دولار، والحقيقة ان اذربيجان تعتمد على الصناعة التركية بشكل كبير، وتركيا تعتمد على  مصادر الطاقة الاذرية ، ويبدو ان رغبة تركيا في الحصول على مصادر الطاقة بأسعار مناسبة، وربما مجانية هو عنصر مهم في موقفها الأخير، ولعلها تدرك ان مراهنة ارمينيا على اعترف العالم بالابادة هو المحرك لموقفها التفاعلي مع اذربيجان وشجبها للرد الارمني. فمن غير المعقول جهل تركيا بتحديد مصادر القوة في ارمينيا وتزويد حلفائها الاذر بمعلومات عن تحركات القوات الارمنية ، وتعريفهم بمواطن القوة والضعف. فهل تجهل تركيا حقاً تقدير جهوزية القوات الارمينية! واذا كانت على دراية بهذه القوات فلماذا لم تحذر اذربيجان من قوة الرد الارمني؟ وما هي الأسباب التي دفعت اذربيجان بإثارة هذه الأزمة في هذا الوقت؟ وهل الصراع في منطقة القوقاز هو اذري ارمني، ام هناك أبعاد أخرى ؟
  في يوم الخميس الموافق 16/ تموز / 2020 اجتمع الرئيس المصري مع زعماء القبائل الليبية وتحدث معهم بشكل صريح وقال ان :" منطقة سيرت تمثل خط احمر للقوات التركية وحكومة الوفاق " وسيرت في هي الخط المتقدم للهلال النفطي في ليبيا، ودعم اوردغان لحكومة الوفاق جاء على أساس الاستحواذ على مصادر الطاقة هناك ، والتحكم بها وهذا الامر يشكل تهديد كبير للحكومة المصرية التي بادرت الى تحذير تركيا ، والظاهر ان تشاطر المصالح بين روسيا التي تريد تعزيز تواجدها في المتوسط  وتحجيم دور تركيا المتصاعد، ومصر التي تشعر بقلق من هذه التطورات عامل مهم دفع المصريين والروس للعمل على تحجيم اوردغان . فهل يرضى اوردغان ذلك ؟
   يبدو ان اوردغان بدأ يخطط من خلال إثارة متاعب لروسيا ولمصر ودفعهما الى الابتعاد عن حليفهم حفتر والانفراد بقواته، والإجهاز عليه، خاصة وان طلائع المرتزقة السوريين من جبهة النصرة وقوات داعش بدأت تصل الى منطقة مصراته في غرب ليبيا بشكل كبير . فما هي السبل التي توقف المد المصري وتشغل روسيا بهذا الشكل الذي يسهل على اوردغان مهامه في السيطرة على الهلال النفطي خاصة وانه صرح ان قواته لم تتوقف إلا بعد اجتياح هذا المثلث والسيطرة على كل التراب الليبي.
    أمام اوردغان خيارات عديدة: اما افتعال مجابهة مباشرة مع روسيا في سوريا ، او التحرك على روسيا ومنعها من التدخل في ليبيا، او الاكتفاء بما حققه في طرابلس. وهذا الامر غير مقنع له ، فقواته التي قطعت الاف الكيلومترات لا يمكن ان تركن الى طرابلس دون الاستحواذ على سيرت وما بعدها ، وهنا بدأت اللعبة أكثر وضوح فالصراع في المنطقة هو صراع مصالح ، وكان على روسيا ان لا توسع مصالحها إلى خارج سوريا فالتنازلات في سوريا كانت بثمن ، وقد تخلت تركيا عن بعض امتيازاتها هناك ، وكان هدفها التمدد إلى ما بعد حلب وتحجيم الدور الكردي في هذه المناطق التي تعرف بشمال وشمال شرق سوريا.، بيد ان التفاهمات السياسية هي التي اوقفتها بالتمدد إلى اهدافها التي رسمتها لاحقاً، ولعله فضل الانتقال إلى ليبيا التي تشهد صراع بين المد السلفي المؤدلج وبين حركة الإخوان العالمية التي تتزعمها تركيا.
   من الواضح ان الرئيس اوردغان يعتمد في توسعه العسكري على مجموعات عسكرية خاضت حروب في العراق وسوريا وهي في أعمها الاغلب تتحمل مسؤولية عمليات القتل الطائفي في سوريا وفي العراق، بل انها مسئولة عن إبادة الايزيدية في سنجار، هذه المجموعات التي تتلقى دعماً مطلقاً من تركيا تم تحريك بوصلة عملها نحو ليبيا وأضيف اليهم مقاتلين من الصومال والسودان وتونس والعراق والمغرب بل وحتى مصر وكل هؤلاء من الإرهابيين المرفوضين في بلدانهم، وقسم منهم هرب إلى تركيا بعد تحرير الموصل، وبالتالي استطاع ارودغان من تأسيس قوة مؤلفة من فرقتين بقوام (4) ألوية يسعى إلى دمجها في مصراته واعداد جيش جديد يستقدمه للهجوم على الشريط النفطي. والسيطرة عليه تتيح له التحرك نحو أهداف اخرى في الجزائر ومصر خاصة وان هناك مؤيدين له في هذه الدول
   لقد نجح اوردغان في كسب عطف اعداد من العرب بعد ان اعاد ايا صوفيا مسجداً ، وحصل على دعماً متناهياً  بين المسلمين بعدد دعمه لمطالب الايغور وموقفه من مسلمين بورما ، ولا يخفى فان سياسة الغرب تجاه المسلمين من العوامل التي ساعدت في كسب هذا التأييد في الشارع العربي والإسلامي ، بعد سياسة الإكراه التي اتخذتها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ضد المسلمين. ولعل هذا الأمر هو الذي حفزه على التدخل في الشأن العراقي والليبي والسوري بعد ان ضجر الناس بحكومات انتفاعية عميلة فاسدة تسير بتوجيه خارجي وبذلك تدخل في ليبيا. وهو يتجه الان بكل قوة نحو السيطرة على ليبيا لتكون مستقراً في أعدة أحلامه ، ويبدو ان هناك ضوء من الإدارة الامريكية واسرائيل في هذه الخطوات التصعيدية. ولتحييد مصر والروس تدخلت الدول الساندة لاوردغان من اجل اشغال هذه الدول فتم تفعيل  قضية سد النهضة ومحاولة إشغال روسيا بالصراع الارمني الاذري، خاصة وان هذه المنطقة من اكثر المناطق الحساسة بالنسبة لموسكو.
فالصراع الذي تجدد في جنوب القوقاز تجدد بارادات خارجية هذه المرة لاختبار روسيا التي تمثل أرمينيا اخر معقل لها في جنوب القوقاز ، ومن غير ادنا شك فان روسيا هي الضمانة الوحيدة لحماية أرمينيا عسكرياً في مواجهة اطماع اذربيجان ، وتركيا التي تحاول تصفية القضية الارمنية، وبالتالي فإنّ أيّ محاولة للإخلال بالعلاقة مع موسكو سيمثل بالنسبة إلى الأرمن قفزة حرة في اتجاه الهاوية.
ان اشغال موسكو بات ممكن في هذا الجزء ، ولكن من غير الممكن ان تترك روسيا لاوردغان حرية التصرف في هذه المنطقة بعد ان أدركت روسيا ومصر ماذا يعني سيطرة اوردغان على ليبيا، اللعبة لم تنتهي بعد ، وبدأ الدرس الاول منها وأرى انه سيكون قاسي لاوردغان.