الاثنين، 30 يناير 2023


 

اذربيجان وايران ... واقعية المواجهة

أ. د. جواد كاظم البيضاني

  في لقاء لرئيس جمهورية اذربيجان السيد الهام علييف مع وكالة انباء الاناضول التركية اظهر فيه امتعاضاً شديداً من المناورات التي اجرتها ايران قرب حدود بلاده ، معرباً عن استغرابه لمثل هذه المناورات ، مبدي تسائلاً عن توقيتات هذه المناورات التي لم تفعلها ايران منذ (30) سنة وفقاً لقوله.

الوكالات الخبرية تحدثت عن مناورات مماثلة اجرتها تركيا مع اذربيجان عند الحدود الايرانية، ويبدو ان اذربيجان ارادت اخطار ايران انها : لم تكن وحيدة امام اي تحدي  تتعرض له من ايران مستقبلاً .

المرشد الاعلى للثورة الاسلامية نوه الى ان اذربيجان تضمر الشر لايران وانها تحوك مؤامرات كبيرة ربما تعرض امنها للخطر:" فمن حفر حفرة لاخيه وقع فيها" وفقاً لتعبيره. الوكالات الخبرية تحدثت عن استعدادات اجرتها اسرائيل لضرب المفاعلات النووية الايرانية ، ومراكز ابحاث في طهران، وفي مدن ايرانية اخرى؛ واشارت التقارير الى اتفاق مبرم بين الولايات المتحدة واسرائيل يقضي بعدم السماح لايران بامتلاك السلاح النووي .

يبدو ان ايران استشعرت الخطر الداهم الذي يهددها . فاذربيجان لا تنكر تعاونها مع اسرائيل بل معظم محطات البث التلفازي، والصحافة الاذرية التي تسيطر عليها الدولة تحدثت عن هذا التعاون، حتى ان افتتاحيات الصحف الاذرية ابدت مديح لاسرائيل وموقفها من اذربيجان في حربها على شعب ارساخ. وبمقتضى هذا التعاون يكون لاسرائيل الحق في ادارة بعض المنظومات الهجومية والدفاعية في اذربيجان التي لا يفقه قادة جندها شيء من تقنية السلاح الاسرائيلي، وعليه ويكون بمقدور اسرائيل بموجب هذه الادارة الاطلاع على النظام الدفاعي الايراني وتحديد نقاط الضعف ، واعتماد الالية الدقيقة في الوصول الى الاهداف المراد تدميرها ضمن بنك المعلومات الذي حددته اسرائيل.  

                                     

تتحدث التقارير عن وصول طائرات مقاتلة الى اذربيجان ستستخدمها اسرائيل لضرب اهداف في ايران ، ولعل هذه التقارير المهمة هي التي دفعت المرشد الاعلى الى الحديث بصراحة عن ما تضمره اذربيجان لجارتها الجنوبية . في نفس الوقت تدرك القيادة الاسرائيلية  حجم التهديد ، فالطائرات الاسرائيلية خلال تنفيذ هجوم لها على ايران عليها ان تمر عبر اجواء الاردن او سوريا او السعودية وهي اجواء معادية، وتقطع مسافة كبيرة تحتاج خلالها الى التزود بالوقود، فضلاً عن احتمالية اكتشافها من قبل منظومات روسية ، وهي لا تريد ان تضع حلفاءها في المنطقة بموقف محرج، وعليه بات من المنطقي ان تعتمد طريق اذربيجان لتحقيق غايتها في الوصول الى اهدافها. فهناك تحالف استراتيجي وفقاً لما عبرت عنه الصحافة الاذرية فبات من الضروري وفقاً لهذا التحالف ان تقدم اذربيجان الدعم لاسرائيل كما فعلت اسرائيل بدعمها المطلق لأذربيجان في حربها على الشعب الأرميني في  ارتساخ.

وعليه فان ايران قدرت حجم التهديد وبدأت بالتحذير من تبعاته، فكل اذربيجان اهداف امام ايران ، وايران تدرك جيداً نقاط الضعف في نظام علييف ورخاوة هذا النظام الريعي اقتصادياً،  فضلاً عن الحالة المعنوية لجيشه الذي لا يقاتل عن عقيدة ، كما ان لايران الخبرة في مقاتلة المرتزقة السوريين الذين يعتمد عليهم النظام التركي والاذري في حروبه الخارجية عند ذاك تكون اذربيجان طعما يمكن ابتلاعه فيما اذا قدمت التسهيلاً لاسرائيل لانها تكون في مواجهة روسيا وايران معاً ، ويبدو ان تهديد روسيا الصريح وتحذيرها من تبعات الهجمات المجهولة بمسيرات على معامل الذخيرة في اصفهان يوضح الموقف الروسي ، ودعمه للنظام الايراني ، وهذا بطبيعة الحال يفسر دعم ايران لروسيا في حربها مع اوكرانيا وطبيعة التحالفات بين البلدين.

لقد حشدت ايران شعبها وحذرت من تبعات التحالفات بين اذربيجان واسرئيل، وعبر علييف دكتاتور باكو عن ذلك بعد حادثة مصرع موظف في سفارة اذربيجان بطهران بشكل يوحي بضبابية المشهد، وتداعيات الصراع . وعليه يمكن القول ان دعم طهران لارمينيا له حججه ، وعلينا نحن ان نضع الحجة في تعاملاتنا ونقيم علاقاتنا مع الاخرين. 

  فهل وَفَّت أذربيجان بالتزامها مع الصهاينة وقدمت لهم الدعم بضرب أهداف داخل العمق الإيراني ؟ ام هي ضربات نفذتها أوكرانيا على إيران وفق ما غرد به مستشار الرئيس الاوكراني؟

السبت، 14 يناير 2023

 

 

ابادة الأرمن في ناغورني قارباخ

أ.د جواد كاظم البيضاني

   
ضربت أذربيجان بعرض الحائط كلّ الاعتبارات الإنسانية، ولم تنصت للمناشدات الدولية، فأغلقت ممر لاتشين؛ في 12 كانون الاول/ ديسمبر، وهذا الممر هو الوحيد الذي يربط ناغورنو كاراباخ بأرمينيا، الأمر الذي أدى إلى عزل سكان الإقليم عن العالم، وقطع الإمدادات الحيوية والغذائية عن الإقليم، بعدها قامت أذربيجان في اليوم التالي بقطع إمدادات الغازعن (150 ) الف مواطن ارميني محاصرين في اقليم ارتساخ (ناغوني قارابخ) في ظروف جوية قاهره.

 وعلى الرغم من أنَّ الاتفاقية الثلاثية الموقعة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2020،  بين أرمينيا واذربيجان وروسيا تنصّ على أن "تضمن أذربيجان السفر الآمن على طول ممر لاتشين في كلا الاتجاهين للمدنيين ووسائل النقل والبضائع". بيد ان اذربيجان لم تبال بهذا الاتفاق وأعرضت عنه مستغلة الأوضاع الحرجة التي تعيشها اوربا والصراع الروسي الأوكراني الذي انعكس بشكل خطير على أوضاع الأرمن، وصمّت آذانها عن المناشدات العالمية التي دعتها إلى فكّ حصارها عن ارتساخ(ناغورني قارباخ)،

 فأذربيجان مستمرّ في محاولات متسارعة على احداث تغيير دّيموغرافيا في قارباخ وما التصريحات الأخيرة التي اطلقها قادتها الا دليل دامغ على ان هناك أهداف مبيتة للتنفيذ ابادة جديدة بحق الأرمن ، فما معنا ان يقول مسؤول اذري كبير ان بلاده تسمع بخروج الأرمن من ارتساخ(ناغورني قارباخ) ولا تسمع بعودتهم مرة أخرى؟

وما هو الهدف في  اعتماد سياسة التجويع وقطع شريان الحياة الوحيد في لاتشين؟ ولماذا تعتمد هذه السياسة ذات البعد الاستراتيجي المدروس في مثل هذا الوقت من العام حيث تصل درجة الحرارة الى 10 تحت الصفر وربما الى اكثر ذلك؟

   تحاول أذربيجان ان تحصل على مكاسب جديدة مستغلة التطورات الدولية والصراع في اروربا وتراهن على تنازلات لمصلحتها بفرض هذا الحصار الذي سوف يتسبب بكارثة إنسانية وغذائية وصحية في منطقة ذات ظروف مناخية معروفة حيث تغطي الثلوج مساحات واسعة من اراضي الاقليم مع نقص في الغذاء والدواء ووسائل العيش الاخرى، مما يدفع سكانها الأرمن إلى الهجرة نهائياً من هناك بسبب صعوبة العيش، وبذلك يبدأ التغيير الديموغرافي الذي ينشدوه.

اشارت اخر التقارير التي نقلتها وكالة "فرانس برس" الى حجم المعانات التي تعرض لها سكان  العاصمة ستيباناكيرت، فهناك شحّ في السلع في المتاجر والصيدليات، بسبب قطع أذربيجانيين لممرّ لاتشين الحيوي مع انقطاع التيار الكهربائي وشحة الوقود .

حدثتني احد الطبيبات من مستشفى الأطفال "أريفيك" في ستيباناكيرت، عن المعانات التي يشهدها هذا المستشفى وهي قلقة من حدوث كارثة انسانية ، خصوصاً أنه يرى أطفالاً يتجمّدون من البرد في أسرّة المستشفى.

ومن أجل مواجهة النقص، عمدت سلطات ناغورني كاراباخ إلى تقنين الطاقة، مما يترك مختلف الأحياء دون كهرباء طيلة ساعات اليوم ومنهم الحي الذي يقع فيه المستشفى. وحتى إذا كانت بعض المباني تعمل بمولّدات كهرباء، فهذه المولدات ينقصها الوقود. فالمستشفى يبرد بسرعة كبيرة مع انخفاض الحرارة إلى ما دون ثماني درجات تحت الصفر، وهناك عدد كبير من الأطفال لا يتجاوز عمرهم السنة في المستشفى .

هذه الظروف القاهرة التي فرضتها أذربيجان تدفع الناس الى مغادرة قارباخ وهذا ما اكد عليه علييف الذي اعلنها صراحة ان الأرمن الغير راغبين بالسكن في قارباخ تحت حكمه عليهم مغادرة هذا الاقليم ، فكيف اعطى علييف لنفسه الحق في فرض سياسة الامر الواقع في قضية معقدة لم يبت بها دولياً بعد؟ وما هو موقف روسيا من تحركاته المعلنة ؟ واين هي الادارات الغربية التي اشبعتنا حديثاً عن حقوق الانسان واحترامها وما إلى ذلك؟

 إن تجاهل الإبادة التي وقعت في عام 1915، وقبلها من اعمال غير إنسانية دفعت القيادات الدكتاتورية الى الجرأة على ارتكاب أشنع الاعمال الوحشية وهذا ما فعله الدواعش مع الايزيدية والشبك، وحيث ان قتلة الايزيدية لا يزالون يمرحون في اوربا بعد ان لجا الكثير منهم الى هناك، فما المانع الذي يعيق علييف ان يرتكب ابادة اخرى بحق الأرمن بعد ان فشل اسلافة من الترك العثمانيين من إبادة هذا العرق.