الخميس، 22 سبتمبر 2016

هذا ما اراده اوردغان
                                              الدكتور جواد كاظم البيضاني
يرى ابن خلدون(808ه/ 1405م)، ان من موجبات الحكم معرفة السلطان بالتاريخ وعبره، ووفقاً لهذا الرأي فان الحكم لا يستقيم لسلطان يجهل  قراءة احداث التاريخ ووقائع ايامه، فالتاريخ عماد الملك، ولعلل حرص ملوك اوربا على قراءة التاريخ وحث ابناؤهم على ذلك عاملاً ساهم في تعزيز ملكهم وبقاء دولهم لانهم يقرءون المستقبل من خلال التعلم من اخطاء الماضي والاعتبار بها . وربما تتكرر الاحداث بوقائعها فيتمكن السلطان او الحاكم معالجتها وفق اطارها الجديد مستفيد من قراءة احدث مقاربة لها. وكثيراً ما استخدمت نفس الاساليب في المعالجة فعمليات التهجير القسري والترحيل وقطع الاذن استخدمت بالحضارة العراقية القديمة وتكررت احداثها في دول عديدة.
  يحدثنا الطبري (ت310ه/922م) ان الخليفة المنصور العباسي(136-158ه/ 753-774م) تعرض الى مشكلات كثيرة لعلل اميزها الصراع على ولاية العهد ، ومشكلة ابي مسلم الخرساني (قتل137ه/ 755م) فضلاً عن مشكلات العلوييين والصراع على السلطة، الذي تحول من هاشمي اموي الى عباسي علوي بعد عام 132ه/ 749م.
 يعرض المؤرخ الكبير ابن مسكوي، أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب  (ت 421هـ/ 1049م) في كتابه (تجارب الامم) الاحداث ويعطي صورة جميلة لمجرياتها، فهو يرى ان ابناء عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط استدرجو واجبروا على اعلان الثورة فقد ضيق عليهم الخليفة المنصور حركتهم، وكان يؤلب عليهم ثم قام بقطع عطائهم. كانت سياسة الخليفة العباسي تقوم على اساس التخلص من الخصوم السياسيين من خلال استداجهم واجبارهم على التمرد فيوهم العامة ان ما قام به هؤلاء الثائرون كان بسبب تمرد هؤلاء وخروجهم  على الامام، ووفقاً لرأي فقهاء اهل السنة والجماعة فان الخروج على الامام يوجب القتل ، وقد حقق الخليفة المنصور نجاحاً في استدراج ابو مسلم الخرساني ثم قام بقتلة بصورة مهينة رغم بذله وايثاره تجاه العباسيين، فضلاً عن  دوره في تثبيت اركان الدولة العباسية وبناؤها، بيد انه الخليفة العباسي كان يعتقد ان بقاء الخرساني على قيد الحياة يمثل تهديد لسلطانه، واسرع في استراجه بكل الوسائل معطياً له الامان باغلض الايمان ،(غير ان الملك عقيم ).  و فعل الخليفة المنصور الشيء ذاته مع احفاد الحسن السبط ابن الامام علي بن ابي طالب  حيث استرجهم لاعلان الثورة من حيث لا يعلمون فاعطى المبررات بقتلهم ، ولعل اسراع محمد النفس الزكية (قتل145ه/762م)  في الثورة وترك التخطيط لها اوقعه واخيه ابراهيم بن عبد الله(قتل145ه/762)  بخطأ كبير سهل على الخليفة عزلهم عسكرياً ثم القضاء عليهم رغم القاعدة الشعبية  والدينية التي كان احفاد الحسن السبط يملكونها، ولم تغنهم فتاوى الامام ابو حنيفة (ت 150ه/ 767م) عن شيء.
وهناك الكثير من الثورات والانقلابات التي نقلتهاا لنا كتب التاريخ بعضها ينتهي بشكل مأساوي واخرى تحقق ماربها، وعليه يمكن القول ان السياسي والقائد الذي يجهل التاريخ لا يقوى على ادارة الازمات ولعلنا نلاحظ كيف اهتم غاندي بقراءة احداث ووقائع الايام فتعامل مع الطوائف والملل التي تعيش في الهند بصورة مكنته من القضاء على النزعات الانفصالية وبناء دولة موحدة . فمن الممكن ان يستفيد القائد او السياسي من احداث التاريخ ويعالج الازمات بصورة ايجابية تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية ، او بمعطيات سلبية تتيح له التسلط.
والحقيقة ان معظم الناجحين من القيادات السياسية في العالم  لهم درايه بوقائع الايام واحداثها ورئيس الجمهورية التركية السيد رجب طيب اوردغان واحداً منهم ، فهو سياسي بارع في استراج الخصوم، وانتهاز الفرص. اعتمد كثيراً على قراءة الاحداث بدقة ، وتقويم مسيرته من خلال معالجة مواطن الضعف بسرعة كبيرة ، والتغير السريع في الموقف الذي يخدم مصالح حزبه ويفضي الى تحقيق مكاسب مميزه له ، فقضية ارمينية والصلح معها ثم الانقلاب على هذه العلاقة وتعزيز علاقاته مع روسيا ثم تازيم تلك العلاقة ثم الخضوع للامر الواقع وبسرعة كبيرة . هذه التغيير السريع في الموقف ومحاولة تقييمها لا يخص سياسته الخارجية بل انه استخدمه في سياسته الداخلية ، وقصة انقلاب 15 تموز تفسر لنا المتغيرات السياسية التي صاحبت الانقلاب والتي تعطي تفسيراً كاملاً لسياسات اوردغان.
        وقع الانقلاب في 15 تموز 2016 مما دفع الكثير منا الى ان يثير تسائلات كثيرة منها ما يترتبط بشخصية غولن او غولان.  وهل كان غولن هو من دبر لهذا الانقلاب وفق رواية الحكومة؟ ما قصة العداء بين غولن واوردغان ؟ الم يفكر العسكر بوقائع الاحدات التي تترتب على مثل هذا الانقلاب ؟  
محمد فتح الله غولن (غولان) من اهالي مدينة (ارزرضروم) او ارزروم كما يسميها الاكراد. ينتمي غولن الى عائلة متدينة تعيش في قضاء (حسن قلعة) . ووفقاً لما جاء في بطاقته الوطنية فانه ولد في 27 ابريل 1941 في قرية تسمى(كورجك). تأثر غولن بالشيخ (الامام النوسي)وهو شخصية دينية كردي الانتماء عاش في جنوب تركيا وعرف بمعارضته للعلامانية ومساندته للعثمانيين . وقد عرفت اتباعه بالنورسية ، وهم جماعة صوفية ذات قاعدة  واسعة في تركيا. ومن فروعها طائفة عرفوا بـاسم (الخدمة) وتعرف تمييز لها بجماعة(كولن). وهذه المجموعة من اكبر فروع جماعة (النورسيون) اسسها الداعية فتح الله غولن، ولهؤلاء اذرع عديدة في المجالات الاجتماعية والخدمية والتعليم والصحة فضلاً عن اهتماماتها بفئة الطلاب من خلال مئات المدارس والسكنات الطلابية داخل وخارج تركيا، ويبدو ان اتباع هذه الجماعة عرفوا انفسهم على انهم جماعة زاهدة في العمل السياسي، ولم يقم اتباع هذه الجماعة بتأسيس حزبا سياسيا على الرغم من ان جماعة(الخدمة) اسست قبل عشرات السنين.
كانت استراتيجيتها جماعة كولن(الخدمة) تقوم على اساس ترك الانتخابات، والعمل السياسي  والبدء اولاً بنشر افكارها ثم تقوم بالتغلغل في مؤسسات الدولة من جيش وشرطة وباقي المؤسسات الفاعلة ، مكتفية بدعم احزاب معينه او افراد في الانتخابات التي تجري في تركيا. والجماعة تسير على خطى حركة الاخوان المسلمين فالدعوة الى الدين هي المبدأ الاول لها ، ثم تؤسس قاعدة داخل المجتمع تستطيع من خلالها التحكم بمفاصل فاعلة تضمن لها السيطرة والاستحواذ على نطاق واسع ،  ثم تشترك بالحكم، بعد ذلك تفرض ارادتها وتقوم بتصفية خصومها على الساحة السياسية.  
        في المرحلة الاخرى قامت الجماعة بدفع اتباعها على التغلغل داخل المؤسسات الفاعلة في الدولة التركية، خاصة جهاز الاستخبارات، ومؤسسات الجيش الاخرى وكانت ترتبط بعلاقات ودية قوية مع حزب العدالة والتنمية فهي الداعم الاول لهذا الحزب  وتحديداً السيد رجب طيب اوردغان،  بيد أن شهر العسل لم يدم طويلا، وبدأت في السنوات الأخيرة إشاعات الخلافات من جهة، ونفيها من جهة أخرى بالانتشار.
هل كان حزب العدالة والتنمية يهدف الى اثارة المشاكل مع هذه الجماعة واستدراجها ومن ثم ضربها والقضاء عليها؟ هل ان هذه الجماعة كانت تهدف الى اقصاء اوردغان وقيادة انقلاب ضده ؟
يرى بعض المراقبين أن حزب العدالة والتنمية يسعى الى مواجهة الجماعة وإضعافها إثر شعوره بأنه لم يعد بحاجه لأصواتها ولا مضطرا للخضوع لضغوطها بعد سنوات طويلة من الحكم، ويرى آخرون أن ملف خلافة أردوغان في رئاسة الحزب والحكومة وتنافس تيار الجماعة مع تيار الفكر الوطني (ميللي جوروش) -الذي أنشأه رئيس الوزراء الراحل أربكان داخل العدالة والتنمية- هو الذي فجّر الخلافات المختفية تحت السطح.

في حين يرى فريق اخر أن الجماعة هي التي استعجلت هذه المواجهة من خلال مواقفها التي أغضبت أردوغان وحرب العدالة والتنمية ، وانهم (اي الجماعة) كانوا  يحضرون لانقلاب على الحكومة ورئيسها، فما هي تلك الملفات التي انهت ذاك التقارب بين العدالة والتمية وبين جماعة (الخدمة)غولن؟

يعتقد بعض المحللين ان هناك قضايا كثيرة اثارت الخلاف بينهما  لعل اميزها الخلاف حول معاهد التحضير للامتحانات الجامعية والتي تملك جماعة(الخدمة) غولن ما يقرب ربعها، ومثلت مصدراً مادياً كبيراً لها . فقد أعلنت الحكومة نيتها تغيير نظام الامتحانات وتحويل هذه المعاهد إلى مدارس خاصة ضمن مشروع ادعت انه يهدف الى تطوير النظام التعليمي. وهنا اظهرت الجماعة معارضتها لهذا المشروع لتبدأ المشكله من هنا. وعلى الرغم من ان بعض المحللين يعتقد ان المشكلة سبقة ذلك حيث بدأت
في ايار 2010 عندما تولى  حاقان فيدان، منصبه رئيساً للاستخبارات التركية ، ويبدو ان جماعة غولن اعتقدة ان تعيين حاقان فيدان مثل مكسباً لها، وان مناصريها يستطيعون ان يحصلوا على مناصب رفيعة داخل هذه المؤسسة الخطرة  ، بيد ان اوردغان ادرك اللعبة واستطاع ان يصفر هذا الجهاز لصالح اتباعه مستعيناً بصديقه حاقان الذي يحسن اللعبة جيداً فخضع الى ولي نعمته اوردغان .
هذا الامر لم يعجب اتباع غولن  فكان رد الفعل شديد  ، عندما اتهموه بالتخابر مع حزب العمال الكردستاني وكادوا ان يوقعو به امام المدعي العام ، يبدو ان اللعبة كبيرة  وخيوطها شائكة . المهم في الامر ان فيدان تم تحصينه من قبل صديقه اوردغان وكان قراره ان لا يتم استجواب مدير الاستخبارات التركية إلا بقرار من رئيس الوزراء. ومع كل ازمة بين اوردغان والجماعة فان الاخير يقوم بحزمة من التغييرات السياسية وكان اخر هذه التغييرات تلك التي حصلت بعد أحداث حديقة "جزي" في ميدان "تقسيم" فقد اتهم اوردغان الجماعة بدعم حركة الاحتجاج تلك . اوردغان كان بين فترة واخرى يثير افراد جماعة ( الخدمة) غولن مدعياً ان هذه الجماعة تسعى لاسقاطه والقفز على الديمقراطية ويبدو انه اثار حفيظة حلفاء الامس بمثل هذه الاستفزازات .
قال ميكافلي:" إذا أردت أن تقضي على الخونة وأن تبرز قوتك للجميع اخلق انقلاباً وقم بالقضاء عليه " ويبدو ان اوردغان قد جمع بين سياسة الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور وبين رأي ميكافلي .
فوفقاً لما نقل عن مسؤلين في الاتحاد الاوربي فان قوائم الاعتقال كانت معدة سلفاً وان بعض القادة في الجيش قد شعروا بالخطر فحصل الانقلاب .
السؤال الذي يثير المطلع على الشأن التركي هو ما علاقة السلك القضائي بعمليات الاقصاء التي طالت افرادة؟ واذا كان فصيلاً من افراد الجيش من قام بانقلاب فلماذا هذه الحملات  التنكيلية التي طالت شريحة واسعة من افراد الجيش التركي في الطرقات وامام الناس ؟
وفقاً للرواية الحكومة فان فصيل من الجيش قاد انقلاباً في 15 تموز 2016م وقام هذا الفصيل من الانقلابيين بتأسيس ما سموه (مجلس السلم) الذي يأخذ على عاتقه قيادة الدولة. من خلال بيان بث بعد سيطرتهم على قناة تي آر تي الرسمية التركية والذي تضمن خلاله حظر التجول في أنحاء البلاد وإغلاق المطارات، وحسب المصادر العسكرية التركية فان قائدي القوات الجوية والبرية هما من نفذا الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وأن محرم كوسا وهو المستشار القانوني لرئيس الاركان هو من خطط للانقلاب فضلاً عن بعض القادة منهم الأميرال "هاكان أوستام" من قيادة خفر السواحل، والجنرال "يونس كوتامان"، قائد لواء الكوماندوز الـ49 في ولاية بينغول، والجنرال "إسماعيل غونيشار"، قائد لواء الكوماندوز الثاني في ولاية بولو. وقائد حامية مضيق جناق قلعة، الأميرال "سيردار أحمد كوندوغدو"، وقائد حامية باليكسير الجنرال (محمد آق) فضلاً عن قائد الجيش التركي الثاني الجنرال "آدم حودوتي" ورئيس أركانه "عوني آنغون"، وايضا قائد الفيلق الثالث (إردال أوزتور).
 ووفقا لوكالة أنباء دوغان فإن الجنود أطلقوا النار على مجموعة من الأشخاص حاولوا عبور جسر البوسفور احتجاجا على محاولة الانقلاب مما أسفر عن وقوع إصابات،  في حين سمع دوي طلقات قرب المطارات الرئيسية في أنقرة واسطنبول. وفي أنقرة قصفت مروحية تابعة للانقلابيين مبنى البرلمان التركي  الغريب في الامر ان الانقلاب وما صاحبه من عمليات قصف وقتل واصابة واسقاط طائرات لم تسجلها عدسات الصحفيين ولا حتى السائحين فتركيا بلد سياحي والحدث وقع في ذروة الموسم السياحي ومن المفروض ان تبث مقاطع على اليوتيوب توضح عمليات القصف التي قامت بها الانقلابيين او الطائرات الهليكوبتر التي تم اسقاطها !!!

قصة الانقلابات في تركيا طويلة، وهذا الانقلاب ليس الاول ولم يكن الاخير  فقد بدأت هذه القصة عندما مع إنشاء الدولة الحديثة في تركيا في عام 1923، فقد نظمت القوات المسلحة التركية ثلاثة انقلابات عسكرية (في الأعوام 1960 و1971 و1980)، وتدخلت في عام 1997 عن طريق مذكرة عسكرية  وقد اعتبر الجيش نفسه الوصي على الدولة التركية العلمانية المنشأة في عهد مصطفى كمال أتاتورك.  وجرت محاكمات إرغينكون في السنوات التي سبقت محاولة الانقلاب عام 2016، والتي يعتبر البعض محاولة من حزب العدالة والتنمية  في تركيا تحت قيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لفرض الهيمنة على الجيش.

هل استشعر الجيش الخطر ام هو سيناريو معد مسبقاً للقضاء على الخصوم السياسيين ؟  بعد فشل الانقلاب  بدأ عدد ليس بقليل من الاعلاميين وارباب السياسة يدلوا بدلوه في تحليل اسباب هذا الانقلاب وما سوف يترتب عليه من نتائج على الساحة التركية ، معللين الاسباب بالنتائج فالانقلاب حدث بسبب سياسات اوردغان ونتيجة هذه السياسة هو الانقلاب وما بعد الانقلاب هو الاقصاء ،  والحقيقة ان سياسة الاقصاء بدأت منذ عام 2011 ولم تكن بالوتيرة التي حدثت بعد 15 تموز فخلال يوم واحد تم اقصاء 250 من قيادات الجيش التركي بينهم 34 جنرالات واعتقل 7500 عسكرياً  وقاضي ومدعي عام،  وقتل نحو 250 شخصا فضلاً عن عشرات الجرحى، وحسب النائب العام فإن 42 قتيلا سقطوا في أنقرة ، فضلاً عن اقصاء 20 محافظ ومنع 2000 موظف كبير من السفر،  وابعاد 9000 الاف منتسب في وزارة الداخلية  وغلق عدد من الصحف واعتقال الصحفيين العاملين بها، وتعليق عمل (21) الف مدرس في المدارس الخاصة .
 واذا كان الفصيل الذي قاد الانقلاب ليس بكبير حسب دعوات الحكومة فما هو الموجب لعلمية الاقصاء بهذه الطريقة ؟ وما علاقة المحافظين بعملية الانقلاب فالمحاقظ منتخب من مجلس محافظة وهذا المجلس كفيل باقالته اين الديمقراطية اذاً ؟  وما علاقة الصحافة والصحفيين ! اين حرية التعبير التي يتحدث عنها السيد اوردغان.؟ وهل يستوجب الامر اقصاء القضاة وطرد 9000 منتسب من الشرطة وبطريقة مهينة. سؤال ربما يطرح دائماً من هم الافراد الذين ظهروا بلحة طويلة وقاموا باعتقال الانقلابيين؟ هل هم المخابرات  ام مليشيا اعدها حزب العدالة والتنمية لمثل هذه الملمات؟
الملفت للنظر ان افراد الجيش وبعد استسلامهم تعرضوا الى حملة تنكيل كبيرة لم يتعرض لها جيش في العالم وكأن الطريقة مبيته ! علينا ان نتذكر ان افراد الحرس الجمهوري العراقي وبعد ان  تركوا مواقعهم وهربوا من الكويت لم تتعرض لهم العشائر الشيعية (كما يرغب البعض ان يسميهم). لم يتعرضوا الى الضباط والجنود رغم ما فعلوه تجاه ابناء الجنوب، وتمثيلهم لصدام فهم قوات النخبة بالنسبة لجيش صدام التكريتي،   بل نجد ان اهل الجنوب وفروا لهم الايواء لغاية وصولهم الى مدنهم في الموصل والانبار وديالى وتكريت . لعل هذه القساوة لا تلد إلا في اصلها والترك هم اصل لكل قسوة وظلم فعليك ان ترى عمليات قطع الرؤس التي قام بها افراد من حزب العدالة والتمية ضد ابناء الجيش التركي .
لم يعد الجيش بعد هذه المحاولة الانقلابية وما رافقها من عمليات إهانة وتصفية، ذلك الجيش المهيب، ومثل هذا الجيش بمثل هذه المعنويات الضعيفة لن يكون قادراً على مواصلة المعركة ضد حزب العمال الكردستاني صاحب الشوكة والقوة والذي خبرته المعارك واثبت قدراته على القتال واعتقد ان الجنود الاتراك سيتركون اسلحتهم في اقل المواجهات ولم يكن له قدرة على دعم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة في سوريا والعراق. وعلينا ان تذكر جيداً ان الجيش العراقي فقد قدراته التي كان يتمتع بها بسبب عمليات التجريح التي تعرض لها افراده في الحرب العراقية الايرانية فهناك فرق الاعدامات التي تطارد المنسحبين من الجبهة ، وهناك التمييز الطائفي فلا يحق لابناء الجنوب وهم الاغلبية ان يتولو مناصب قيادية والذين احتلوا هذه المناصب هم قلة ، ثم شرع قانون بتر الاذن وقطع الانف للمنسحبين ، وتعرض كثير من الضباط الى ابشع عمليات التعذيب حيث يهدد من قبل الامن الصدامي باغتصاب زوجته امامه ، وعمليات الضرب والشتم التي يتعرض لها الجندي في الطرقات من قبل المخابرات والانضباط العسكري ، المهم ان هذه التصرفات جعلت الجيش منكسر الجناح لم يدافع عن العراق في عام 1991 وانسحب دون اي قتال امام الجيوش الامريكي والبريطاني والجيوش الخليجية التي اجتاحة العراق.
اقول ان الجيش التركي  كسرت شوكته  هذا ما يريده اوردغان لانه جزء من اللعبة فتركيا مقبلة على ايام صعبة واتوقع ان يكون مصير اوردغان كمصير صدام لان لصبر الولايات المتحدة حدود .
وعمليات التصفية الممنهجة توحي بان الانقلاب من  اعداد واخراج اوردغان لان حزب العدالة والتنمية يسعى الى اقصاء كل معارضيه وتحويل تركيا الى دكتاتورية جديدة تتيح له التحكم بمقدرات تركيا وهذا ما يريده اوردغان ويرفضه الغرب  .



واقعية عبد الله اوجلان ... خيار سيطبق ولو بعد حين
                                     الدكتور جواد كاظم البيضاني
على الرغم من تداول مفردة الفدرالية منذ زمن ليس بقصير بيد ان فقهاء السياسة لم يتفقوا على اعطائها منعى واحد فكلمة (federal) تعني الاتحاد و(state federal ) بمعنى الدولة الاتحادية والمصطلح في الاصل مثتق من(feder) الاتحاد وهو شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة مركزية ووحدات اصغر ، تعرف بالاقاليم وتعرف احيانا(بالفدراليات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة. وتعرف: بانها تنظيم سياسي ودستوري داخلي، مركب تخضع بموجبه عدة دول اعضاء او ولايات الى حكومة اتحادية أعلى منها ..."([1]). ووفقاً للتعبير الالماني staatenstaat)) فان الفدرالية تعني دولة دول([2])، التي تتحقق بالاتحاد الاختياري أي التعايش المشترك بين الشعوب و الاقليات, وقد يتحقق هذا النوع من الحكم  بين الشعب الواحد في أقاليم متعددة كما الحال في ألمانيا، ودولة الامارات , و الاتحاد الاختياري هو أحد ممارسات حق تقرير المصير، لانه يحقق الوحدة الرضائية بين شعبين ، او مجموعة من الشعوب كما هو الحال في الهند ، وقد تتحقق الوحدة الرضائية بين الشعب الواحد ذات الوحدات الادارية المستقلة كما هو حال الامارات العربية([3]).
اما النشاط السياسي في الدولة الفدرالية  فيكون على نوعين نشاط الدولة الفدرالية ونشاط الدول المكونة للدولة الفدرالية اي الدول الاعضاء وعليه فان الافراد في الدولة الفدرالية يخضعون لسلطتين : سلطة المركز وسلطة الدولة التي ينتمون اليها اي الدولة العضو في الاتحاد الذين هم رعايها ([4]).
من الملامح الأساسية للفدرالية توزيع السلطات حيث يجسد نظام الحكم ,وفق مفهومها  توزيعاً للسلطات بين المركز والأقاليم وتنسق كل واحدة من تلك الحكومات في إطار صلاحياتها مع الأخرى وتعتمد عليها، ويكون الدستور في النظام الفدرالي هو السلطة العليا الذي تستمد  منه الحكومة المركز صلاحياتها .
الحكم الفدرالي واسع الانتشار عالميا، وثمانية من بين أكبر دول العالم مساحة تحكم بشكل فدرالي. وأقرب الدول لتطبيق هذا النظام الفدرالي على المستوى العربي هي دولة الإمارات العربية المتحدة أما على المستوى العالمي فهي المانيا والولايات المتحدة الأمريكية. ومن الممكن ان يكون الاقليم ذات الحكم الذاتي يضم وحدات تتمتع بذات العلاقة التي تربط الاقليم الاتحادي بالمركز، وتحصل من الاقليم على امتيازات تتيح لها الحفاض على هويتها العرقية او الدينية  والثقافية. والنظام الفدرالي اصبخ مطلب جماهيري في المغرب وفي ليبيا والصومال والعراق والسودان وسوريا. وبعض من هذه الدول نجحت في تحقيه، واخرى ما تزال في مخاض بلورته، ومن بين هذه الدول سوريا.  هل ينجح الكُرد في سوريا بتاسيس اقليمهم الوطني الذي يطمحون اليه ؟

لا شك  ان اكراد سوريا(غرب كردستان) بدأت مطالبهم القومية في ستي سبقة عام 1932م، بيد ان هذا العام يمثل انعطافاً حقيقياً في تاريخ هذا الجزء من كردستان، فبعد فشل ثورة الضابط الكردي في الجيش العثماني احسان نوري عام 1932 وعمليات التنكيل التي تبعتها، رحل قسم ليس بقليل من الثائرين (الكُرد) الى سوريا (غرب كردستان) ، ولعل هذا العامل محفزاً مهماً في تطور الوعي القومي عند الكرد في هذه البقعة ، فمطالب الكُرد في سوريا لا تعدو مطالب الشعب السوري في الحصول على الحرية مع بعض الدعوات التي تهدف الى ضرورة ضمان خصوصية الشعب الكُرد  وثقافته([5]).
يعتقد مارتن فان بروينس ان الدعوات القومية ارتبطة في جلّ الخطاب السياسي السائد في القرن العشرين ارتباطاً وثيقاً ويرى ان برنامج الرئيس الامريكي ووردرو ويلسن (الاربع عشرة نقطة) وكتابات منظري اليسار في الاتحاد السوفيتي وفي اوربا الغربية، وقوانين الامم المتحدة التي تدعو الى حقوق الامم في تقرير مصيرها هي المحفز للكُرد وغيرهم من الامم في المطالبة بحقوقهم([6]) .
لا بد لنا ان نتجاوز احداث التاريخ رغم اهميتها وارتباطها بموضوعنا بيد اننا نتسائل هل استفاد الكُرد من التاريخ ؟ كيف يفسر منظروهم الاحداث التي تهدد كيانهم القومي؟  
ربما لم يغب عن بال الكثير من الكُرد ان ما يحلمون به لا بد ان يتحقق متناسين شعورياً العوائق السياسية والاقتصادية والجغرافية ولعل اسير الحرية عبد الله اوجلان كان اكثر واقعية عندما تحدث وبصراحة عن لغة التجانس بين شعوب الشرق الاوسط فمفهوم الدولة القومية هو غير واقعي عن اوجلان، على الاقل في الوقت الراهن لان التنوع الاثني يشكل تهدياً لكيان هذه الدولة .
اذا ما هي الواقعية التي تعامل معها اوجلان؟
لو عرضنا اقليم  (روج آفا) الفدرالي جغرافياً  يتبين لنا ان المسافة الفاصلة بين المالكية وراس العين هي (130) كيلو متر وفق التقديرات السورية الرسمية، وان معظم سكانها خليط، اعمهم الاغلب عرب ولعل مدينة (تل ابيض) تمثل عائق مهم في التواصل بين المنطقتين في اعلاه . وهذا ينطبق على المدن الكردية الواقعة شرق الفرات .
وفق هذه المعطيات فان الكُرد  يسيطرون على مناطق تشكل أكثر من 10% من أراضي سوريا. اما مناطق نفوذهم وفق ما يتحدث به الكُرد فيقصد بها الادارات الذاتية الثلاث وهي كوباني (عين العرب) في ريف حلب الشمالي وعفرين في ريف حلب الغربي والجزيرة (الحسكة) فضلاً عن المناطق التي سيطروا عليها أخيراً في محافظتي الحسكة وحلب وبالتالي فهم يشاطرون الترك حدود مشتركة تمتد لاكثر من 350 كيلومتر ويمتد نفوذهم حتى نهر الفرات في حدودهم مع العراق.
من خلال قراءة خارطة (روج آفا) يتبين لنا ان هناك تناثر بين المدن الكُردية وبالتالي اعلان الفدرالية تنتابه مخاطر كبيرة اذا ما تصرف القادة الكُرد في اقليم (روج آفا) بصورة تتقاطع مع تنبؤات اوجلان .
يرى اوجلان ان الشرق الاوسط خليط غير متجانس من الشعوب التي استقرة متجاورة فيما بينها منذ الاف السنين وان اقامة علاقات طيبة بين هذه الشعوب هو الانفع في تواصلها وقدرتها على الاستمرار في التعايش . وهذا يعني ان تمنح هذه الشعوب حقوقها الثقافية والاقتصادية وان تتمتع بحرية تتيح لها التعبير عن ذاتها دون ضغط او تجاوز على مقدراتها. بمعنا اخر اشراكها في القرار وهذا ما يسميه فقهاء السياسة (الوحدة الرضائية).
فالاطراف المتعايشة يجب ان تصل الى قناعة بان امنها الوطني يتتحقق من خلال الاتحاد رضائياً مع بعضها، دون ان تفرض تلك الوحدة بالقوة او ما يعرف بـ(الوحدة القسرية) وهو مرفوض طبعاً. فهل يلتزم الكُرد بذالك ؟ ام ان العامل الخارجي سيجعل من الاطراف المتعايشة في الوطن الافتراضي تعيش بحالة من الحرب والاقتتال ؟

في ظل الاوضاع التي تعيسشها سوريا اليوم بات الامريكان والروس مقتنعين ان سوريا لم تعد الى ما كانت عليه قبل عام 2011 م، ولعل ذلك السبب هو الذي دفع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف الى القول أن موسكو "لن تعترض أيضا على أي نموذج آخر لسوريا شريطة ألا يكون من إملاء شخص على بعد آلاف الكيلومترات من سوريا."
لكن هل حديث الروس عن الفدرالية في سوريا نابع من خطة مدروسة أم أنها فكرة ألقيت لجس النبض؟، واذا كانت لجس النبض فماذا يعني تلويح  وزير الخارجية الأمريكي بسيناريو اشد خطورة من الفيدرالية؟  هل صحيح ان الامريكان بانوا مقتنعين بالفدرالية ؟
 اذا الكُرد استطاعوا ان يحصلوا على الضامن الدولي . كيف لهم ان يحافظوا على مكتسباتهم في وجه التحديات الاقليمية والمتغير في سياسات الدول الكبرى؟ ما هي اهداف روسيا ؟ لماذا دعمة الولايات المتحدة الكُرد رغم ما يمثلوه من خطر على خليفهم (تركيا).
قلنا ان الدول الكبرى تبني سياساتها على وفق استراتيجيات ثابته وان السياسات تتغير وفقاً للتقلبات والتطورات الميدانية وظروف كل بلد وان الاستراتيجيات تبقى ثابته  فروسياً يهمها جيداً بقاء طبيعة النظام السوري كما هي دون الاهتام بالاسماء لانها تظمن عاملين في ذلك الاولى هو ان خط الانابيب الذي يمر عبر السعودية والاردن الى سوريا لم يتحقق وتبقى اوربا بحاجة الى الغاز الروسي اما الشيئ المهم الاخر فان فقدان روسيا لاخر قاعدة لها في المتوسط يعني افول نجها في المتوسط وبالتالي تصبح تحركاتها مرهونة بموافقة لصيانة قطها البحرية ربما تكلفها الكثير فضلاً عن فقدانها حليف مهم له ثقل كبير في المنطقة .
اما الولايات المتحدة فهدفها ضمان عدم تحقيق التواصل بين لبنان وايران وهي تسعة لتحقيق هذا الهدف لضمان امن اسرائيل. كيف تتمكن الولايات المتحدة في تحقيق اهدافها مع التناقض الواضح مع موقف روسيا ؟ وما هي الضمانات التي تقدمها الولايات لاصدقائها في السعودية واسرائيل وتركيا ؟
لا شك ان طريق الحرير هو الخط الرابط بين الشرق والغرب عبر العراق وسوريا وان الاوربيين يسعون لسلامته من خلال انشاء انظمة حليفة لهم مع بقاء هذا الطريق سالك وهو ضامن لحيوية اقتصادهم. هذا يعني ان وجود نظام بشار الاسد يتناقض مع اهدافهم الاستراتيجية. فهل يحدث تغير في الموقف السياسي يضمن لحلفاء الولايات المتحدة مبتغاهم بضمان امن اسرائيل مع قطع التواصل بين ايران وحلفائها في لبنان؟ وهل يعني قيام فدرالية في غرب كردستان قطع للتواصل بين حزب الله وايران ؟
من الواضح ان التواصل بين لبنان وايران يبقى مستمر مع بقاء الحدود العراقية السورية مفتوحة، وخير طريقة لعزل حزب الله هو قطع هذا الحدود بمعنا ان هناك نظام فدرالي اخر يجب ان يتحقق في سورية وفي العراق . وربما يتم اتحاد مناطق سورية عراقية تقطع هذا التواصل باسم الاقليم السني او اي مسمى اخر، على ان يرتبط هذا الاقليم بدول التحالف السني الذي تقوده العربية السعودية، وبذلك يستطيع الامريكان ارضاء السعودية من خلال رسم خارطة جديدة للمنطقه فتحقق امريكا اهدافها، وتضمن لحلفاءها جزء من مطالبهم، في ذات الوقت تبقي نظام موالي لروسيا يضمن لهم قاعدة بحرية على المتوسط، على ان تضحي روسيا بخط الغاز المار عبر ايران والعراق الى سوريا ثم المتوسط، فهذا الهدف لا يمكن تحقيقه مع وجود الاقليم السني الموالي للغرب، وشريط ساحلي موالي لروسيا . فهل تدفع العوامل الاقتصادية الاطراف المتنازعه الى تفاهمات؟
 في ظل هذه الافتراضات كيف يضمن الكُرد فدراليتهم في محيط معادي؟  هل يحسنوا التعامل مع المكونات التي تشاطرهم البقاء في ارضهم التي ضحوا من اجلها؟ يتمتع الكُرد بعلاقات طيبة مع القبائل العربية في في شمال شرق سوريا، والحقيقة ان افراد هذه القبائل ينشدون السلام على ان يخسن الكًرد تعاملهم ويفونوا الفرص على خصومهم الذين يتربصون بهم وان تكون قيادتهم جماعية على الاقل في ظل هذه الظروف، وتكون علاقاتهم مستمرة مع الجميع وفق مناورات تقتضيها مصالحهم فقطع التواصل مع النظام خطأ كبير، وقطع التواصل مع جنوب كردستان خطأ اكبر. وعليهم يهتموا كثيراً باعلامهم فانه طريقهم في الدفاع عن انفسهم ويكسبوا الاصدقاء الداعمين لمواقفهم. فاي خلل في التوازنات يهدد امنهم بشكل مباشر فالطريق طويل ويحتاج الى صبر وتضحية. وطريق الالف ميل يبدأ بخطوه واحده.








([1])  محمد مولود مخلص ، الفدرالية وإمكانية تطبيقها كنظام سياسي، ط1،(بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2009م)، ص31. .
([2])  منذر الشاوي، في الدولة، (بغداد، مطبعة العاني، 1964)، ص84 .
([3])  جواد كاظم البيضاني، الوحدة الوطنية والتعددية الاثنية في العراق، ط1،(بغداد، مطبعة العباد، 2005)، ص ص60-62 .
([4])  البيضاني، الوحدة الوطنية والتعددية الاثنية في العراق، ، ص62.
([5])  جواد كاظم البيضاني، صفحات من تاريخ الكُرد وكُردستان، (بغداد، مطبعة كوثر، 2006)، ص34.
([6])  الاكراد وبناء الامة، (بيروت، معهد الدراسات الاستراتيجية ، 2006)، ص19.

الأربعاء، 14 سبتمبر 2016

هذا ما اراده اوردغان

هذا ما اراده اوردغان
                  
                            الدكتور جواد كاظم البيضاني
يرى ابن خلدون(808ه/ 1405م)، ان من موجبات الحكم معرفة السلطان بالتاريخ وعبره، ووفقاً لهذا الرأي فان الحكم لا يستقيم لسلطان يجهل  قراءة احداث التاريخ ووقائع ايامه، فالتاريخ عماد الملك، ولعلل حرص ملوك اوربا على قراءة التاريخ وحث ابناؤهم على ذلك عاملاً ساهم في تعزيز ملكهم وبقاء دولهم لانهم يقرءون المستقبل من خلال التعلم من اخطاء الماضي والاعتبار بها . وربما تتكرر الاحداث بوقائعها فيتمكن السلطان او الحاكم معالجتها وفق اطارها الجديد مستفيد من قراءة احدث مقاربة لها. وكثيراً ما استخدمت نفس الاساليب في المعالجة فعمليات التهجير القسري والترحيل وقطع الاذن استخدمت بالحضارة العراقية القديمة وتكررت احداثها في دول عديدة.
  يحدثنا الطبري (ت310ه/922م) ان الخليفة المنصور العباسي(136-158ه/ 753-774م) تعرض الى مشكلات كثيرة لعلل اميزها الصراع على ولاية العهد ، ومشكلة ابي مسلم الخرساني (قتل137ه/ 755م) فضلاً عن مشكلات العلوييين والصراع على السلطة، الذي تحول من هاشمي اموي الى عباسي علوي بعد عام 132ه/ 749م.
 يعرض المؤرخ الكبير ابن مسكوي، أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب  (ت 421هـ/ 1049م) في كتابه (تجارب الامم) الاحداث ويعطي صورة جميلة لمجرياتها، فهو يرى ان ابناء عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط استدرجو واجبروا على اعلان الثورة فقد ضيق عليهم الخليفة المنصور حركتهم، وكان يؤلب عليهم ثم قام بقطع عطائهم. كانت سياسة الخليفة العباسي تقوم على اساس التخلص من الخصوم السياسيين من خلال استداجهم واجبارهم على التمرد فيوهم العامة ان ما قام به هؤلاء الثائرون كان بسبب تمرد هؤلاء وخروجهم  على الامام، ووفقاً لرأي فقهاء اهل السنة والجماعة فان الخروج على الامام يوجب القتل ، وقد حقق الخليفة المنصور نجاحاً في استدراج ابو مسلم الخرساني ثم قام بقتلة بصورة مهينة رغم بذله وايثاره تجاه العباسيين، فضلاً عن  دوره في تثبيت اركان الدولة العباسية وبناؤها، بيد انه الخليفة العباسي كان يعتقد ان بقاء الخرساني على قيد الحياة يمثل تهديد لسلطانه، واسرع في استراجه بكل الوسائل معطياً له الامان باغلض الايمان ،(غير ان الملك عقيم ).  و فعل الخليفة المنصور الشيء ذاته مع احفاد الحسن السبط ابن الامام علي بن ابي طالب  حيث استرجهم لاعلان الثورة من حيث لا يعلمون فاعطى المبررات بقتلهم ، ولعل اسراع محمد النفس الزكية (قتل145ه/762م)  في الثورة وترك التخطيط لها اوقعه واخيه ابراهيم بن عبد الله(قتل145ه/762)  بخطأ كبير سهل على الخليفة عزلهم عسكرياً ثم القضاء عليهم رغم القاعدة الشعبية  والدينية التي كان احفاد الحسن السبط يملكونها، ولم تغنهم فتاوى الامام ابو حنيفة (ت 150ه/ 767م) عن شيء.
وهناك الكثير من الثورات والانقلابات التي نقلتهاا لنا كتب التاريخ بعضها ينتهي بشكل مأساوي واخرى تحقق ماربها، وعليه يمكن القول ان السياسي والقائد الذي يجهل التاريخ لا يقوى على ادارة الازمات ولعلنا نلاحظ كيف اهتم غاندي بقراءة احداث ووقائع الايام فتعامل مع الطوائف والملل التي تعيش في الهند بصورة مكنته من القضاء على النزعات الانفصالية وبناء دولة موحدة . فمن الممكن ان يستفيد القائد او السياسي من احداث التاريخ ويعالج الازمات بصورة ايجابية تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية ، او بمعطيات سلبية تتيح له التسلط.
والحقيقة ان معظم الناجحين من القيادات السياسية في العالم  لهم درايه بوقائع الايام واحداثها ورئيس الجمهورية التركية السيد رجب طيب اوردغان واحداً منهم ، فهو سياسي بارع في استراج الخصوم، وانتهاز الفرص. اعتمد كثيراً على قراءة الاحداث بدقة ، وتقويم مسيرته من خلال معالجة مواطن الضعف بسرعة كبيرة ، والتغير السريع في الموقف الذي يخدم مصالح حزبه ويفضي الى تحقيق مكاسب مميزه له ، فقضية ارمينية والصلح معها ثم الانقلاب على هذه العلاقة وتعزيز علاقاته مع روسيا ثم تازيم تلك العلاقة ثم الخضوع للامر الواقع وبسرعة كبيرة . هذه التغيير السريع في الموقف ومحاولة تقييمها لا يخص سياسته الخارجية بل انه استخدمه في سياسته الداخلية ، وقصة انقلاب 15 تموز تفسر لنا المتغيرات السياسية التي صاحبت الانقلاب والتي تعطي تفسيراً كاملاً لسياسات اوردغان.
        وقع الانقلاب في 15 تموز 2016 مما دفع الكثير منا الى ان يثير تسائلات كثيرة منها ما يترتبط بشخصية غولن او غولان.  وهل كان غولن هو من دبر لهذا الانقلاب وفق رواية الحكومة؟ ما قصة العداء بين غولن واوردغان ؟ الم يفكر العسكر بوقائع الاحدات التي تترتب على مثل هذا الانقلاب ؟  
محمد فتح الله غولن (غولان) من اهالي مدينة (ارزرضروم) او ارزروم كما يسميها الاكراد. ينتمي غولن الى عائلة متدينة تعيش في قضاء (حسن قلعة) . ووفقاً لما جاء في بطاقته الوطنية فانه ولد في 27 ابريل 1941 في قرية تسمى(كورجك). تأثر غولن بالشيخ (الامام النوسي)وهو شخصية دينية كردي الانتماء عاش في جنوب تركيا وعرف بمعارضته للعلامانية ومساندته للعثمانيين . وقد عرفت اتباعه بالنورسية ، وهم جماعة صوفية ذات قاعدة  واسعة في تركيا. ومن فروعها طائفة عرفوا بـاسم (الخدمة) وتعرف تمييز لها بجماعة(كولن). وهذه المجموعة من اكبر فروع جماعة (النورسيون) اسسها الداعية فتح الله غولن، ولهؤلاء اذرع عديدة في المجالات الاجتماعية والخدمية والتعليم والصحة فضلاً عن اهتماماتها بفئة الطلاب من خلال مئات المدارس والسكنات الطلابية داخل وخارج تركيا، ويبدو ان اتباع هذه الجماعة عرفوا انفسهم على انهم جماعة زاهدة في العمل السياسي، ولم يقم اتباع هذه الجماعة بتأسيس حزبا سياسيا على الرغم من ان جماعة(الخدمة) اسست قبل عشرات السنين.
كانت استراتيجيتها جماعة كولن(الخدمة) تقوم على اساس ترك الانتخابات، والعمل السياسي  والبدء اولاً بنشر افكارها ثم تقوم بالتغلغل في مؤسسات الدولة من جيش وشرطة وباقي المؤسسات الفاعلة ، مكتفية بدعم احزاب معينه او افراد في الانتخابات التي تجري في تركيا. والجماعة تسير على خطى حركة الاخوان المسلمين فالدعوة الى الدين هي المبدأ الاول لها ، ثم تؤسس قاعدة داخل المجتمع تستطيع من خلالها التحكم بمفاصل فاعلة تضمن لها السيطرة والاستحواذ على نطاق واسع ،  ثم تشترك بالحكم، بعد ذلك تفرض ارادتها وتقوم بتصفية خصومها على الساحة السياسية.  
        في المرحلة الاخرى قامت الجماعة بدفع اتباعها على التغلغل داخل المؤسسات الفاعلة في الدولة التركية، خاصة جهاز الاستخبارات، ومؤسسات الجيش الاخرى وكانت ترتبط بعلاقات ودية قوية مع حزب العدالة والتنمية فهي الداعم الاول لهذا الحزب  وتحديداً السيد رجب طيب اوردغان،  بيد أن شهر العسل لم يدم طويلا، وبدأت في السنوات الأخيرة إشاعات الخلافات من جهة، ونفيها من جهة أخرى بالانتشار.
هل كان حزب العدالة والتنمية يهدف الى اثارة المشاكل مع هذه الجماعة واستدراجها ومن ثم ضربها والقضاء عليها؟ هل ان هذه الجماعة كانت تهدف الى اقصاء اوردغان وقيادة انقلاب ضده ؟
يرى بعض المراقبين أن حزب العدالة والتنمية يسعى الى مواجهة الجماعة وإضعافها إثر شعوره بأنه لم يعد بحاجه لأصواتها ولا مضطرا للخضوع لضغوطها بعد سنوات طويلة من الحكم، ويرى آخرون أن ملف خلافة أردوغان في رئاسة الحزب والحكومة وتنافس تيار الجماعة مع تيار الفكر الوطني (ميللي جوروش) -الذي أنشأه رئيس الوزراء الراحل أربكان داخل العدالة والتنمية- هو الذي فجّر الخلافات المختفية تحت السطح.

في حين يرى فريق اخر أن الجماعة هي التي استعجلت هذه المواجهة من خلال مواقفها التي أغضبت أردوغان وحرب العدالة والتنمية ، وانهم (اي الجماعة) كانوا  يحضرون لانقلاب على الحكومة ورئيسها، فما هي تلك الملفات التي انهت ذاك التقارب بين العدالة والتمية وبين جماعة (الخدمة)غولن؟

يعتقد بعض المحللين ان هناك قضايا كثيرة اثارت الخلاف بينهما  لعل اميزها الخلاف حول معاهد التحضير للامتحانات الجامعية والتي تملك جماعة(الخدمة) غولن ما يقرب ربعها، ومثلت مصدراً مادياً كبيراً لها . فقد أعلنت الحكومة نيتها تغيير نظام الامتحانات وتحويل هذه المعاهد إلى مدارس خاصة ضمن مشروع ادعت انه يهدف الى تطوير النظام التعليمي. وهنا اظهرت الجماعة معارضتها لهذا المشروع لتبدأ المشكله من هنا. وعلى الرغم من ان بعض المحللين يعتقد ان المشكلة سبقة ذلك حيث بدأت
في ايار 2010 عندما تولى  حاقان فيدان، منصبه رئيساً للاستخبارات التركية ، ويبدو ان جماعة غولن اعتقدة ان تعيين حاقان فيدان مثل مكسباً لها، وان مناصريها يستطيعون ان يحصلوا على مناصب رفيعة داخل هذه المؤسسة الخطرة  ، بيد ان اوردغان ادرك اللعبة واستطاع ان يصفر هذا الجهاز لصالح اتباعه مستعيناً بصديقه حاقان الذي يحسن اللعبة جيداً فخضع الى ولي نعمته اوردغان .
هذا الامر لم يعجب اتباع غولن  فكان رد الفعل شديد  ، عندما اتهموه بالتخابر مع حزب العمال الكردستاني وكادوا ان يوقعو به امام المدعي العام ، يبدو ان اللعبة كبيرة  وخيوطها شائكة . المهم في الامر ان فيدان تم تحصينه من قبل صديقه اوردغان وكان قراره ان لا يتم استجواب مدير الاستخبارات التركية إلا بقرار من رئيس الوزراء. ومع كل ازمة بين اوردغان والجماعة فان الاخير يقوم بحزمة من التغييرات السياسية وكان اخر هذه التغييرات تلك التي حصلت بعد أحداث حديقة "جزي" في ميدان "تقسيم" فقد اتهم اوردغان الجماعة بدعم حركة الاحتجاج تلك . اوردغان كان بين فترة واخرى يثير افراد جماعة ( الخدمة) غولن مدعياً ان هذه الجماعة تسعى لاسقاطه والقفز على الديمقراطية ويبدو انه اثار حفيظة حلفاء الامس بمثل هذه الاستفزازات .
قال ميكافلي:" إذا أردت أن تقضي على الخونة وأن تبرز قوتك للجميع اخلق انقلاباً وقم بالقضاء عليه " ويبدو ان اوردغان قد جمع بين سياسة الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور وبين رأي ميكافلي .
فوفقاً لما نقل عن مسؤلين في الاتحاد الاوربي فان قوائم الاعتقال كانت معدة سلفاً وان بعض القادة في الجيش قد شعروا بالخطر فحصل الانقلاب .
السؤال الذي يثير المطلع على الشأن التركي هو ما علاقة السلك القضائي بعمليات الاقصاء التي طالت افرادة؟ واذا كان فصيلاً من افراد الجيش من قام بانقلاب فلماذا هذه الحملات  التنكيلية التي طالت شريحة واسعة من افراد الجيش التركي في الطرقات وامام الناس ؟
وفقاً للرواية الحكومة فان فصيل من الجيش قاد انقلاباً في 15 تموز 2016م وقام هذا الفصيل من الانقلابيين بتأسيس ما سموه (مجلس السلم) الذي يأخذ على عاتقه قيادة الدولة. من خلال بيان بث بعد سيطرتهم على قناة تي آر تي الرسمية التركية والذي تضمن خلاله حظر التجول في أنحاء البلاد وإغلاق المطارات، وحسب المصادر العسكرية التركية فان قائدي القوات الجوية والبرية هما من نفذا الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وأن محرم كوسا وهو المستشار القانوني لرئيس الاركان هو من خطط للانقلاب فضلاً عن بعض القادة منهم الأميرال "هاكان أوستام" من قيادة خفر السواحل، والجنرال "يونس كوتامان"، قائد لواء الكوماندوز الـ49 في ولاية بينغول، والجنرال "إسماعيل غونيشار"، قائد لواء الكوماندوز الثاني في ولاية بولو. وقائد حامية مضيق جناق قلعة، الأميرال "سيردار أحمد كوندوغدو"، وقائد حامية باليكسير الجنرال (محمد آق) فضلاً عن قائد الجيش التركي الثاني الجنرال "آدم حودوتي" ورئيس أركانه "عوني آنغون"، وايضا قائد الفيلق الثالث (إردال أوزتور).
 ووفقا لوكالة أنباء دوغان فإن الجنود أطلقوا النار على مجموعة من الأشخاص حاولوا عبور جسر البوسفور احتجاجا على محاولة الانقلاب مما أسفر عن وقوع إصابات،  في حين سمع دوي طلقات قرب المطارات الرئيسية في أنقرة واسطنبول. وفي أنقرة قصفت مروحية تابعة للانقلابيين مبنى البرلمان التركي  الغريب في الامر ان الانقلاب وما صاحبه من عمليات قصف وقتل واصابة واسقاط طائرات لم تسجلها عدسات الصحفيين ولا حتى السائحين فتركيا بلد سياحي والحدث وقع في ذروة الموسم السياحي ومن المفروض ان تبث مقاطع على اليوتيوب توضح عمليات القصف التي قامت بها الانقلابيين او الطائرات الهليكوبتر التي تم اسقاطها !!!

قصة الانقلابات في تركيا طويلة، وهذا الانقلاب ليس الاول ولم يكن الاخير  فقد بدأت هذه القصة عندما مع إنشاء الدولة الحديثة في تركيا في عام 1923، فقد نظمت القوات المسلحة التركية ثلاثة انقلابات عسكرية (في الأعوام 1960 و1971 و1980)، وتدخلت في عام 1997 عن طريق مذكرة عسكرية  وقد اعتبر الجيش نفسه الوصي على الدولة التركية العلمانية المنشأة في عهد مصطفى كمال أتاتورك.  وجرت محاكمات إرغينكون في السنوات التي سبقت محاولة الانقلاب عام 2016، والتي يعتبر البعض محاولة من حزب العدالة والتنمية  في تركيا تحت قيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لفرض الهيمنة على الجيش.

هل استشعر الجيش الخطر ام هو سيناريو معد مسبقاً للقضاء على الخصوم السياسيين ؟  بعد فشل الانقلاب  بدأ عدد ليس بقليل من الاعلاميين وارباب السياسة يدلوا بدلوه في تحليل اسباب هذا الانقلاب وما سوف يترتب عليه من نتائج على الساحة التركية ، معللين الاسباب بالنتائج فالانقلاب حدث بسبب سياسات اوردغان ونتيجة هذه السياسة هو الانقلاب وما بعد الانقلاب هو الاقصاء ،  والحقيقة ان سياسة الاقصاء بدأت منذ عام 2011 ولم تكن بالوتيرة التي حدثت بعد 15 تموز فخلال يوم واحد تم اقصاء 250 من قيادات الجيش التركي بينهم 34 جنرالات واعتقل 7500 عسكرياً  وقاضي ومدعي عام،  وقتل نحو 250 شخصا فضلاً عن عشرات الجرحى، وحسب النائب العام فإن 42 قتيلا سقطوا في أنقرة ، فضلاً عن اقصاء 20 محافظ ومنع 2000 موظف كبير من السفر،  وابعاد 9000 الاف منتسب في وزارة الداخلية  وغلق عدد من الصحف واعتقال الصحفيين العاملين بها، وتعليق عمل (21) الف مدرس في المدارس الخاصة .
 واذا كان الفصيل الذي قاد الانقلاب ليس بكبير حسب دعوات الحكومة فما هو الموجب لعلمية الاقصاء بهذه الطريقة ؟ وما علاقة المحافظين بعملية الانقلاب فالمحاقظ منتخب من مجلس محافظة وهذا المجلس كفيل باقالته اين الديمقراطية اذاً ؟  وما علاقة الصحافة والصحفيين ! اين حرية التعبير التي يتحدث عنها السيد اوردغان.؟ وهل يستوجب الامر اقصاء القضاة وطرد 9000 منتسب من الشرطة وبطريقة مهينة. سؤال ربما يطرح دائماً من هم الافراد الذين ظهروا بلحة طويلة وقاموا باعتقال الانقلابيين؟ هل هم المخابرات  ام مليشيا اعدها حزب العدالة والتنمية لمثل هذه الملمات؟
الملفت للنظر ان افراد الجيش وبعد استسلامهم تعرضوا الى حملة تنكيل كبيرة لم يتعرض لها جيش في العالم وكأن الطريقة مبيته ! علينا ان نتذكر ان افراد الحرس الجمهوري العراقي وبعد ان  تركوا مواقعهم وهربوا من الكويت لم تتعرض لهم العشائر الشيعية (كما يرغب البعض ان يسميهم). لم يتعرضوا الى الضباط والجنود رغم ما فعلوه تجاه ابناء الجنوب، وتمثيلهم لصدام فهم قوات النخبة بالنسبة لجيش صدام التكريتي،   بل نجد ان اهل الجنوب وفروا لهم الايواء لغاية وصولهم الى مدنهم في الموصل والانبار وديالى وتكريت . لعل هذه القساوة لا تلد إلا في اصلها والترك هم اصل لكل قسوة وظلم فعليك ان ترى عمليات قطع الرؤس التي قام بها افراد من حزب العدالة والتمية ضد ابناء الجيش التركي .
لم يعد الجيش بعد هذه المحاولة الانقلابية وما رافقها من عمليات إهانة وتصفية، ذلك الجيش المهيب، ومثل هذا الجيش بمثل هذه المعنويات الضعيفة لن يكون قادراً على مواصلة المعركة ضد حزب العمال الكردستاني صاحب الشوكة والقوة والذي خبرته المعارك واثبت قدراته على القتال واعتقد ان الجنود الاتراك سيتركون اسلحتهم في اقل المواجهات ولم يكن له قدرة على دعم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة في سوريا والعراق. وعلينا ان تذكر جيداً ان الجيش العراقي فقد قدراته التي كان يتمتع بها بسبب عمليات التجريح التي تعرض لها افراده في الحرب العراقية الايرانية فهناك فرق الاعدامات التي تطارد المنسحبين من الجبهة ، وهناك التمييز الطائفي فلا يحق لابناء الجنوب وهم الاغلبية ان يتولو مناصب قيادية والذين احتلوا هذه المناصب هم قلة ، ثم شرع قانون بتر الاذن وقطع الانف للمنسحبين ، وتعرض كثير من الضباط الى ابشع عمليات التعذيب حيث يهدد من قبل الامن الصدامي باغتصاب زوجته امامه ، وعمليات الضرب والشتم التي يتعرض لها الجندي في الطرقات من قبل المخابرات والانضباط العسكري ، المهم ان هذه التصرفات جعلت الجيش منكسر الجناح لم يدافع عن العراق في عام 1991 وانسحب دون اي قتال امام الجيوش الامريكي والبريطاني والجيوش الخليجية التي اجتاحة العراق.
اقول ان الجيش التركي  كسرت شوكته  هذا ما يريده اوردغان لانه جزء من اللعبة فتركيا مقبلة على ايام صعبة واتوقع ان يكون مصير اوردغان كمصير صدام لان لصبر الولايات المتحدة حدود .
وعمليات التصفية الممنهجة توحي بان الانقلاب من  اعداد واخراج اوردغان لان حزب العدالة والتنمية يسعى الى اقصاء كل معارضيه وتحويل تركيا الى دكتاتورية جديدة تتيح له التحكم بمقدرات تركيا وهذا ما يريده اوردغان ويرفضه الغرب