انتصر اوجالان فكراً ومنهجاً
د. جواد كاظم البيضاني
لا شك أن خفايا وأسرار عملية اعتقال المفكر الكردي عبد
الله اوجالان رسمت في منحى السياسة خفايا والغاز من الصعب هضمها وفهم اهدافها التي حيكت بشكل يعطينا اليقين المطلق بمكانة هذا
المفكر الاممي ، وخطورته على القوى التي تحاول الهيمنة على العالم ، تفضح شعارات
ما كان لها ان تزيف بهذا الشكل الفاضح.
ولعرض هذه المؤامرة لا بد من بيان الأسلوب المعتمد من أداة التنفيذ في
اعتقال اوجالان:" قالت تركيا :" إن وحدات من الكومندوز تمكنت من اعتقال
عبد الله أوجالان"، وقع ذلك الحدث في 15 شباط 1999. لن تتحدث تركيا عن تفاصيل العملية ، فكثير من
الأقلام والتقارير تطرقت إلى هذه الواقعة بشكل تقليدي دون الخوض بتفاصيل العملية ، وكل ما كانت تقوله الشبكات
الخبرية اعطاء التبرير لهذا الحدث، فضلاً عن التمجيد بقدرات الأتراك وقواتهم
الخاصة.
والحق أن هذا الاستهداف يحمل معان تقرا بالمفهوم
التركي قراءة مختلفة عن ما يراه الباحث المنصف ، فالعملية كانت ذات بعد دولي ،
وغطيت تفاصيلها بشكل كبير جداً، وأخفيت معالمها وطرائق تنفيذها، وعرضت لنا المحطات
الخبرية المبررات التي تتوافق مع الاستراتيجيات المعلنة .
أعتقد أنه مازال وراء عملية اعتقال أوجالان مؤثرات هامة تحول دون نشرها الجهات الدولية التي اشتركت باعتقاله، فما هي المبررات التي دفعت إسرائيل ومنظوماتها الاستخبارية للتفاعل بهذا الشكل وملاحقة اوجالان؟ وهل يشفع للعالم المتحضر تبريراته غير المنطقية لمثل هذه العملية؟
لقد أعطت التناقضات في التصريحات مؤشراً في الأسلوب المتّبع بهذه العملية ، فلم تنفرد تركيا بالاعتقال ، بل هناك قوى إقليمية ودولية هي التي استهدفته بشكل رئيس، نعم ... كان اوجالان حذراً جدا وتعاطا مع الاحداث بواقعية وحذر . فلم تفلح تركيا بكل ثقلها على استدراجه، وحتى الموساد لم ولن يستطيع أن يفك أسلوب التخفي الدقيق الذي اعتمده ، إلا من خلال مكملات رئيسية لخططه مع مجموعة من المتعاونين لتنفيذ عمليتهم , وإذا كانت تركيا لم تنجح دون الاستعانة بقوى أخرى في العالم فما هي الدوافع وراء دعم هذه الدول لتركيا؟ هل كان أوجالان يشكل خطراً على الاستقرار الدولي مثلاً؟
هذا التوجه يخالف في محتواه وأهدافه قوى الظلام،
فوصف بالانفصالي ونعت بالإرهابي في نظر تلك الإمبراطوريات والديكتاتوريات الفاشية
ومنها الدولة التركية، لان هذه الروية شكلت خطراً كبيراً على الدولة الاستبدادية
التي تتخذ من القهر الاستعلائي والظلم المجتمعي وكبت الحريات أسلوباً لها. فهل
يسمحو لمندلى جديد او هوشمين اخر؟
إن قضية عبد الله أوجالان تجاوزت
الإطار الضيق لتتعداها إلى أفق أوسع، فهي ليس قضية حزب العمال ولا قضية الكرد في
شمال كردستان (كردستان تركيا) بل هي قضية إنسانية لا يمكن التغاضي عنها، أو
إدراجها في مجهولات الإعلام، فهذا المناضل والمفكر خط طريقه الشائك وفق رؤية تختلف عن الأنماط الكلاسيكية
التي سار عليها المناضلون في الحقب الزمنية التي سبقته, حيث جمع بين الإنسانية
والنضال، وبين القومية والأممية، وامتلك الإيثار والحرص.
أن هدف أوجلان الأسمى يتمثل بوقف
الظلم ومحاربته، ولأنه مؤمن أن المناضل لن يتخل عن إنسانيته، فهو مناضل لأنه
إنسان، وهكذا وجد نفسه فحمل الإنسانية عمقاً, وناضل من أجل البسطاء، ليس لأبناء
قومه بل لكل شعوب الشرق الأوسط، لأنه يعرف جيداً أن هذا الشرق هو نسيج اثني معقد،
وهذا التعقيد يدفع المناضل للتفكير بالآخرين وصياغة القاعدة التي تجمع هذه
الإثنيات، وأن يكون الجميع شركاء توحدهم مفاهيم الإنسانية وقيمها العليا، فالإيثار
يجب أن يتوافق مع مدلولات الحرص على الهوية الوطنية.
إن الحقيقة التي يجهلها هؤلاء أن هناك
ألف أوجالان تربوا على منهجه وهم يسيرون على خطاه، فإن سجنوه جسداً لم يستطيعوا
تقييده فكراً فانتصر أوجالان . وحريٌ بالعالم المتحضر أن يعيد قراءته وأن يبعد هذا
المناضل عن الحيف الذي وقع عليه.